العم ناجي فـي الإمارات

لست وحدك في هذا الكون

عبد الهادي شعلان

 

بدأ النّور يتطاير في العتمة مصحوباً بموسيقى تشعرك بالغرابة وتجعل قلبك يدق.. تتحرَّك شذرات الضوء وتتطاير فيما يشبه ظلمة الكون الفسيح، بما يوحي بأن في الخلفية غموضاً ما سيحدث، وأنك ستدخل حالة متصلة بعالم آخر تشبه الأنوار المتطايرة وكأنك وسط نجوم سابحة في الفضاء الكوني.. هل ما يحدث مرتبط بالكون وغموضه؟ ربما.
نتأكد من الغموض حين تفتح الشاشة على سماء صافية وجبال عتيقة وفتاة ترتدي الأبيض جالسة في وضع غامض تنظر لشجرة جرداء يخرج منها الدخان فتغمرنا الحيرة والتساؤل، تأخذنا لحالة من التشويق تشدنا للمتابعة، وهذا ما أراده صُنَّاع فيلم العم ناجي في الإمارات، المنتج في عام 2019 في الإمارات العربية المتحدة، تأليف وإخراج أحمد زين، في مدة عرض 95 دقيقة.


صلة روحية بين الكائنات

حين يحدث القطع الحاد وتُظْلِم الشّاشة ندخل لحالة مغايرة وتظل صورة الفتاة الغرائبية عالقة في خيالنا وندرك منذ اللحظة الأولى أن هناك اتصالاً بين الكائنات جميعاً، فحين يعزف الممثل وعازف الساكسفون الإماراتي "محمد مرشد" على الساكسفون نرى الحصان يتحرك ويجري ويقفز مستمتعاً بالعزف الرقيق، نشعر أن هناك صلة بين الإنسان والحيوان، عن طريق هذه اللغة الأبدية، لغة الموسيقى، وكأن الحصان فرح بالعزف، والعازف يريد أن يصل ما في داخله للحصان، صلة روحية واضحة بين الكائنات مما يجعلنا نندمج مع العزف والحصان والحزن الشفيف الذي بدا واضحاً على الحالة، نُدرك أنَّ الكونَ كلّه متصل بعضه ببعض، وأن هناك تمازجاً يذكرنا بمقدمة الفيلم في تساقط بقع النور في السواد المظلم.
تتأكد علاقة المخلوقات ببعضها حين يظهر الحصان الأبيض الجميل الرائع، الذي يقوم الفارس بترويضه في البداية، وتحدث علاقة حميمة بين الحصان والفارس في سرعة واضحة ونتأكد أن لدينا في هذا الفيلم علاقة خفية بين المخلوقات، فقد استجاب الحصان الأبيض الشرس وتقبَّل علاقته بالبشر وصار ليناً.

الكوميديا مدخل ناعم 

الفُكَاهة مسحة غالبة على أحداث الفيلم حتّى إنّه يُصَنَّف كفيلم فُكَاهيّ، فطوال مدة العرض تبدو المواقف الفُكاهية واضحة تجعل المُشاهِد يبتسم ويتفاعل مع الموقف المضحك، العم ناجي والذي قام بدوره الممثل "إبراهيم المريسي" كانت طلعته مميزة، فقد شعرنا بروحه الفكاهية منذ البدء، إلى جانب أنه أعطانا إيحاءً بإدراكه لأمور الحياة على الرغم من أنه لا يأخذها على محمل الجد، فكل ظهور للعم ناجي على الشّاشة يجعلنا نتوقع أن نرى موقفاً فكاهياً يوشك أن يحدث، إنه يحوِّل معظم المواقف لنكتة مضحكة، وفكاهة خفيفة على الروح حتى في أصعب المواقف الدرامية في الفيلم، مما يجعلك وأنت في منتصف الفيلم تتساءل لماذا إذن كانت الفتاة الجالسة عند الشجرة الجرداء حزينة؟
يسير الفيلم في مشاهد كوميدية سلسلة مما يجعلك تشعر بيسر الحياة وهذا أيضاً ما يمنحنا إياه الممثل محمد الكندي بتكوينه البنياني المميز، وسماره الجميل، كان بارعاً في إضحاكنا بتلقائية واضحة، هو ممثل كوميدي بالفطرة، وفي الوقت ذاته حين انتقلت حالة الفيلم لما يشبه الرعب وجدنا تعبيرات وجهه تتغيَّر بعفوية وفق الحالة، وكأنه لا يمثل، إنه ممثل يجعلك تتابعه بمحبة.

عالم آخر يعيش حولنا

يجد الفيلم أسباباً ليجمع أبطاله الخمسة في سيارة للقيام برحلة يسيرون وسط الجبال فنتذكر المشهد الأول في الفيلم للفتاة بين الجبال، فالجبال نفس الجبال، مع وجود الظلام الساحر ومحاولة إعداد الطعام، نسمع أغنية (يا ليالي يا ليالي قالو إنَّ الحب حالي) فنعيش لحظات رائقة، وحين يُلقي أحمد سيف النّار وتتطاير على الشجرة نبدأ في الشعور بالقلق مع وجود السّعادة والمتعة والبهجة التي يصحبها الليل السّاحر والعزف الجميل لآلة الساكسفون لكن شيئاً من مشاعر الخوف يغزونا، قلق مع المتعة، فمع استمرار الغناء الممتع كان اشتعال الشجرة يتزايد في الخلفية، فالبهجة في المقدمة، وكأنَّ صُنَّاع الفيلم اختصروا الفيلم هنا، في البهجة والقلق.
رأينا الشجرة تحترق لتؤكد لنا أن شيئاً كبيراً سوف يحدث، وتتوقف البهجة مع ظهور صوت صراخ أطفال وبدا كل شيء مختلفاً، وتغيَّرت الموسيقى لدقات سريعة وبدأ الخوف والحزن، وشعرنا أن شيئاً خفيّاً لا ندركه قد حدث، هل توجد كائنات غريبة في هذه المنطقة؟ ربما أرواح هائمة كانت عند الشجرة واحترقت.
ويفتح الفيلم هنا العلاقة بين الإنسان والمخلوقات الغير مرئية في الكون، منذ سماعنا لأصوات قادمة من عالم لا نراه، يقول الممثل محمد راشد "منطقة في الليل مقطوعة، هذه أطفال الجن" ونتصور أطفال الجن وقد تم حرقهم مع حرق الشجرة.
يدق الفيلم منذ هذه اللحظة بعنف على العلاقة بين الإنسان ومخلوقات غير مرئية، الجن، وهنا تظهر الفتاة التي رأيناها في مشهد الافتتاحية، فنتأكد أن صُنَّاع الفيلم أوجدوها منذ البداية تمهيداً لدورها في قلب الفيلم ومبتغاه.

ثأرُ الجنّ

حين ظهرت الفتاة بدأنا نتوقَّع أحداثاً مغايرة لطبيعة الفيلم وطبيعة الحياة، فالجنيَّة التي تم حرق أولادها لا شك ستنتقم، وبهذا تم تهيئة المُشاهد للتعامل مع عالمٍ خفيٍّ. فحين أصيب أحمد سيف بالصداع المفاجئ شعرنا أن الجن هو السبب، وحين رأى امرأة غريبة بصورة مفاجئة داخل السيارة ظهر أن الجن بدأ في الظهور الفعلي، وأيضاً حدث مع محمد الكندي حين كان يسمع الراديو في السيارة وجد شيئاً خفياً يتحكَّم في صوت المذياع، وسمعنا صوت صراخ أطفال الجن واضحاً، نفس الصوت الذي سمعناه عند الشجرة الجرداء، كأنهم يريدون الانتقام.
أما العم ناجي فقد رأى في المطعم امرأة غريبة حول عينيها سواد قاتم مرعب، وفي الصّباح وجدنا المحل كلَّه في حالة من العبث ثم رأينا الفتاة تذهب في الاسطبل ورأينا الحصان الذي يحبه محمد مرشد ملقى على الأرض، وزاد تأكد وجود العالم الآخر حين كان أحمد سيف في الطريق فأخذ امرأة تعطَّلت سيارتها ليوصلها في طريقه، وساعتها سيطرت علينا مشاعر أن هذه المرأة جِن، فنظراتها كانت غريبة، وتأكدنا حين وصلوا جميعاً إليه بأنّ الجنّ ينتقم، لقد قام الممثل أحمد سيف بتمثيل حالة الملبوس بالجن ببراعة، فقد شاهدنا منه تشنجات أقنعتنا أن داخله جن حقيقي، لقد علمنا أن الجن داخله، وأنه لا يريد أن يخرج منه انتقاماً منه بالتحديد؛ لأنه هو من تعدَّى على الطبيعة بإهمال وأحرق الشجرة، وقتل أبناء الجن ثم خرج الجن من جسده، وشعرنا أن الحكاية بين الإنس والجن وبين الإنسان والمخلوقات الخفية قد انتهت، لكن العم ناجي رأى فتاة جميلة فأحبها من فوره، هو فقط من رآها، وشاهدنا نظراتها تحمل شحنة من الرغبة في الانتقام، على الرغم من جمالها الواضح، هل أراد صُنَّاع الفيلم أن يخبرونا بأن هناك جزءاً آخر عن علاقة الجن بالعم ناجي؟ ربما.
الفيلم يؤكد في مبناه على علاقة الكائنات بعضها ببعض، الإنسان بالآلة الموسيقية التي ربطت بينه وبين الحيوان، الحصان، وبين الإنسان والمخلوقات الخفيَّة في الكون، يريد الفيلم أن يدعو للسّلام بين جميع المخلوقات، ويقول: إننا في حياتنا على هذه الأرض ينبغي أن نحترم جيراننا من المخلوقات الأخرى، حتى نعيش في سلام، فلسنا وحدنا في هذا الكون.
 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها