ندى مهري من الإعلاميات الجزائريات الناشطات، ساهمت بالنشر في عدد من الصحف الوطنية، وكتبت الشعر وقصص الأطفال.. في جعبتها العديد من التتويجات أبرزها؛ حصولها على جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال أدب الطفل عام 2009، وجائزة الامتياز في القصة القصيرة في مسابقة "فوروم الكاتبات المتوسطيات" بمرسيليا بفرنسا، وصدر كتاب عن الملتقى ضم أعمال الكاتبات الفائزة سنة 2008.

لديها مجموعتان قصصيتان الأولى تحمل عنوان: "أميرة النجوم"، وهي المجموعة الحاصلة على جائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2009، والثانية بعنوان: "لعبة الألغاز"والصادرة سنة 2013. وأصدرت رواية "مملكة الأمنيات" سنة 2019، وهي رواية موجهة للشباب، تنتمي إلى أدب الخيال، كما صدرت الطبعة الإنجليزية منها "The Kingdom of Wishes" عام 2020.
تحولت قصتها التي تحمل عنوان: "ذات الأنف الأحمر" إلى رسوم متحركة عام 2020. كما شاركت في مؤتمر "نشأة وتطور أدب الطفل بالهند"، ونشر موضوعها عن "الكتابة للطفل وضرورات التطوير" في المجلة المحكمة لجامعة كيرالا بالهند 2016. كما شاركت فـي فعاليات جائزة الشارقة للإبداع العربي بالقاهرة 2019. وقد كان لنا معها الحوار التالي:
✧ حبذا لو حدثتنا عن النشأة كيف كانت؟ وقد كان حلمك أن تصبحي باحثة في علم الآثار وما سبب تغيير المسار من الآثار إلى الأدب والشعر؟
جئت آخر العنقود في أسرتي، وعلى الرغم من المزايا العديدة التي يتميز بها هذا الترتيب، إلا أنه أجل انضمامي إلى عالم الكبار المتكون من إخوتي وأخواتي، فلجأت إلى العزلة وأسست عالمي الخاص، كحل بديل، وكونت علاقات صداقة مع أصدقاء خياليين، وشاركتهم الكثير من الحكايات، لدرجة أنني لم أعد باستطاعتي أن أفارق هذا العالم الذي اتسع، وكنت أزوده بما أحصل عليه في الواقع من معلومات جديدة، أو من الكتب التي كنت أطالعها، أو من مسلسلات الكرتون التي كنت أتابعها.
وفي يوم من الأيام ذهبت في رحلة مدرسية إلى مدينة "جميلة"، وهي مدينة أثرية رومانية تابعة لولاية سطيف، الواقعة بالشمال الشرقي للجزائر، أحسست وأنا أشاهد هذه المعالم الأثرية الرائعة بالهيبة والسحر والألفة، وتمنيت لو أستطيع السفر عبر الزمن حتى ألامس هذه العوالم وهذه الحيوات، التي سبقتنا وتركت لنا عبراً وحكماً وتراثاً مادياً ومعنوياً لا يقدر بثمن. مدينة تاريخية دخلتها أسأل، وخرجت منها أتساءل، فقررت أن أصبح باحثة في علم الآثار، وكنت بالموازاة أدون رحلاتي ويومياتي التي أعيشها في المدرسة، وكل ما يجول في خاطري في دفتر، وهكذا نشأت علاقة وطيدة مع الكتابة دون أن أعي أن هذه الأخيرة ستغير مجرى حياتي، وتصبح هي قدري ومساري الحقيقي.
✧ بدايتك كانت مع الشعر ثم ولّيْتِ وجهك شطر الرواية والقصة، فهل تفوقت ندى القاصة والروائية على الشاعرة؟
المبدع يمر بمحطات ومراحل في مسيرته الأدبية، ويخوض تجارب متنوعة في مجال الإبداع، إلى أن يلتقي بشغفه الحقيقي، وهذا ما حدث لي عندما اكتشفت حبي لكتابة القصص الموجهة للأطفال، والروايات الموجهة للشباب. ولكنني مدينة للشعر كثيراً فهو الذي هيأني للتحليق في فضاء الأدب. ورغم ابتعادي عن كتابة الشعر، فهو يظل حاضراً بقوة في نصوصي النثرية، وآخر قصيدة كتبتها كانت مرفوعة إلى روح والدي الراحل رحمه الله بعنوان: "وحي الماء" سنة 2004، ومن بين القصائد التي أعتز بها قصيدة "مسافر"، التي اختيرت مع مجموعة قصائد لشعراء من العالم العربي والمهجر، وصدرت في كتاب بعنوان: "مختارات من الشعر العربي المعاصر" بأمريكا سنة 2006.
✧ (الغربة.. غربة سواء اخترتها أو اختارتك) إلى أي مدى أثرت الغربة عليك، وعلى أعمالك الأدبية؟
دون شك للغربة بصمتها ورصيدها في فعل الكتابة لدى الكاتب المغترب، فالحياة من حوله مختلفة اللغة، والثقافة، والعادات والتقاليد، والطباع، وحتى تأثير المناخ، كذلك حركة المجتمع نفسه والظروف السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية المحيطة به، وجميعها مؤثرات لا تمر مرور الكرام على بصر وبصيرة وأحاسيس المبدع المغترب، لتدخل في عوالمه الإبداعية مع الوقت، كذلك الغربة تجعلك تعيد ابتكار نفسك، وأكثر تعلقاً بذاكرة وذكريات الوطن.
بالنسبة لي أرى أن الغربة في عصرنا الحالي تغير مفهومها ولم تعد كما في السابق؛ إذ أصبحنا نعيش في عالم يرتبط بعضه ببعض بضغطة زر، ومن جهة أخرى؛ فإن وجودي في مصر لم يشعرني بالغربة، ولطالما كانت مصر صديقة محبة ومرحبة، وداعمة للتنوع ولكل الأجناس والثقافات على أرضها. إلا أن تجربة الانتقال من بلد إلى آخر لها خصوصيتها، فهي تمدك بخبرات ومفاهيم جديدة وناضجة للحياة ولفعل الكتابة، ومصر تعد امتداداً للطريق الذي بدأته بالجزائر.
✧ رواية مملكة الأمنيات تنتمي لأدب الخيال العلمي، وأيضاً تطرح الثأثر بالموروث الإنساني، حدّثيِنا عن هذه الرواية وعوالمها، وكيف كانت البداية لهذا المنحى في الكتابة؟
تدور أحداث الرواية حول فتاة في العشرينيات من العمر معاصرة، مثقفة، طموحة، تخصصت في علم الفلك، تجمعها علاقة صداقة بأميرة من مملكة النجوم، التي اختفت يوم تتويجها ملكة للمملكة، فانطلقت الفتاة، في رحلة مليئة بالمغامرات بحثاً عن صديقتها. مزجت في كتابة الرواية بين عالم الواقع الذي انطلقت منه كل الأحداث، وعالم الخيال الذي ينقسم بدوره إلى عوالم أخرى، تتمثل في العالم الموازي لمملكة النجوم ومملكة الأمنيات، وتعد "مملكة الأمنيات" تتمة لقصة قصيرة موجهة للأطفال، بعنوان: "أميرة النجوم" كتبتها بالجزائر سنة 1996، وتتناول قصة لقاء "هدهدة" بأميرة النجوم على كوكب الأرض، عندما كانت فتاة صغيرة. شعرت أن هذه القصة تحتاج إلى تكملة وتطوير، فقررت أن أخوض تجربة الرواية، وحالياً أنا بصدد إنهاء الجزء الثالث من الرواية.
✧ رواية مملكة الأمنيات موجهة لليافعين والشباب، هذا المجال غير مطروق بكثرة في العالم العربي بنفس الاهتمام بالروايات الموجهة للكبار لماذا؟
فعلاً هذا المجال غير مطروق بكثرة في العالم العربي، ويجد الراشد الصغير الذي لم يعد طفلاً محاصراً بين أدب الصغار والكبار، لأسباب كثيرة منها: تخوف الكاتب من الكتابة لهذه المرحلة العمرية؛ لأنها مرحلة شديدة الأهمية في التكوين، فضلاً عن غياب الدعم والتشجيع للكتاب المتخصصين في مجال أدب اليافعين والشباب، وإن وجدت فيغلب على هذه الكتابات المضمون النمطي والميل نحو الوعظ في بعض الأحيان لإضفاء صفة المثالية، وإهمال البطلة الفتاة، والبطل من ذوي الاحتياجات الخاصة، واعتبار اليافع أو الشاب على أنه قاصر، تجعله ينفر من قراءتها ويتوجه إلى قراءة الكتب المترجمة، والأمر لا يتعلق بالروايات فقط، بل هناك قلة في إنتاج الأفلام والرسوم المتحركة والمسلسلات الموجهة لفئة الشباب، والتي تتناول مختلف قضاياهم، وتكون قريبة من رؤاهم وتطلعاتهم ومشاعرهم، على عكس الغرب الذي تفنن في استيعاب هذه الشريحة ودعم كتابها، وأصبحت الروايات الموجهة لفئة الشباب أكثر رواجاً من روايات الكبار، كما أنتج العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية الموجهة لهذه الفئة.
✧ رواية "مملكة الأمنيات" صدرت منها الطبعة الإنجليزية، وسيتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية ماذا تعني لك الترجمة؟
الترجمة بالنسبة لي امتداد للكتابة، وأعتبرها رسالة ومساحة للتبادل الفكري والمعرفي والتواصل مع الآخر، والترجمة في عصرنا الحالي تعد مطلباً أساسياً للجميع من أجل تحقيق ثقافة عالمية مشتركة، وسد الفجوة المعرفية بين المجتمعات. وعليه يجب بذل المزيد من الجهود في مجال الترجمة للتعريف بالثقافة العربية، فكيف يعرف العالم حقيقتنا وخصوصيتنا إذا كانت الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى محدودة ونخبوية، ما أود قوله؛ أن الثقافة العربية بروافدها يجب أن تصل إلى المواطن الغربي العادي في قوالب فنية متنوعة، كالكتب والأفلام والمسلسلات والبرامج، ولا تقتصر فقط على الجهات الأكاديمية أو المؤسسات المنشغلة بحقول الترجمة.
✧ تعملين في أكثر من مسار: الإعلامي والصحفي، وكذلك الأدبي إلى أي مدى أخذك العمل الإعلامي من العمل الأدبي؟
حقيقة العمل الإعلامي طغى على إنتاجي الأدبي لسنوات، وأصابتني "السكتة الإبداعية"، وفي غمرة هذا الانشغال كنت أشعر بشيء حيوي ينقصني وهو شغف الكتابة، وقد ناضلت كثيراً لاستعادة هذا الشغف؛ لأن الكتابة بالنسبة لي مسألة حياة، وليست مجرد قصص وحكايات تروى، بل هي قضية إنسانية وثقافية ومجتمعية، بدليل أن مشروعي الكتابي اتسع؛ بتحويل رواية مملكة الأمنيات إلى كتاب صوتي لصالح المكفوفين وضعاف البصر.
