تُعدّ الطاقة أحد أكبر التحدِّيات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، وتزايد الاهتمام العالمي في الفترة الأخيرة بالبحث عن مصادر متنوّعة للطاقة البديلة سواء من الطاقة الذرية أو الطاقة الشمسية وغيرها؛ من أجل تقليص الاعتماد على أنظمة الطاقة العاملة بالوقود الأحفوري التقليدي منذ بداية عصر الثورة الصناعية وزيادة عدد المصانع وما تؤديه من الاحتباس الحراري، ويُعتبر الهيدروجين الأخضر واحداً من أبرز أمثلة الطاقة البديلة المُتجدّدة والنظيفة، وسيُحدث استخدامه ثورةً كبيرة ونقلة تحول على صعيد تخفيف الانباعاثات الكربونية في التصدِّي للتغيُّر المناخي وتحدِّيات المناخ العالمية، وبدأت الحكومات بمحاولة إنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدامه باعتباره يمتلك المواصفات المثالية للوقود المطلوب، والتي يمكن تسخيرها بشكلٍ فعّال لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة على مستوى العالم.
ما الهيدروجين الأخضر
يُعتبر عنصر الهيدروجين أحد العناصر الكيميائية النشطة ويرمز له بالرمز H، وهو من العناصر الخفيفة المتوفر بكثرة في الطبيعة، وليس له لون ولا رائحة ولا طعم، ويمتاز بأنه لا يمكن وجوده منفرداً في الطبيعة بل يكون متحداً ليشكل المركبات الكيميائية المختلفة، سواء كانت بالحالة الغازية كالغاز الطبيعي، أو السائلة كالماء أم الصلبة مثل المركبات الهيدروكربونية، وبما أنّ غاز الهيدروجين من الغازات الخفيفة حيث إنّه لا يطلق غازات عند حرقه لذا أصبح مؤهلاً لأن يكون وقوداً للمستقبل، وقد اكتشفه العالم والكيميائي الإنجليزي هنري كافنديش Henry Cavendish عام 1766م، ويتم إنتاجه بعدة طرق، ويتم تصنيفه حسب مصادر إنتاجه الأمر الذي ينعكس على لونه؛ حيث يتوقف لونه على حسب درجة صداقته للبيئة، فمثلاً الهيدروجين المستخرج من الفحم يعرف بالهيدروجين البني، والمستخلص من الغاز الطبيعي يعرف بالهيدروجين الرمادي وغيرها.
أمّا الهيدروجين الأخضر Green Hydrogen هو عبارة عن وقود خالٍ من الكربون، وهو أحد عناصر المياه H2O، ويعتمد إنتاجه على عملية تحليل الماء (المكون من الأكسجين والهيدروجين)، وذلك عن طريق فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين بالماء باستخدام آلات معينة من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي، وعندما يكون التيار الكهربائي المستخدم من مصدر طاقة متجددة وصديقة للبيئة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح الفائضة تكتمل دورة الطاقة النظيفة، وتتم عمليّة الإنتاج دون أي انبعاث لغاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وبالتالي يُعرف الهيدروجين الناتج باسم (الهيدروجين الأخضر أو النظيف)1.
طرق إنتاج الهيدروجين الأخضر
توجد العديد من الطرق التقليدية لإنتاج الهيدروجين العادي بواسطة الوقود التقليدي الأحفوري، فمن الطرق الأكثر استعمالاً والأقل تكلفةً الطريقة المعروفة بـ(تهذيب البخار)؛ حيث يتفاعل البخار مع المصادر الهيدروكربونية من النفط أو الغاز الطبيعي مطلقًا بذلك الهيدروجين.. فعلى سبيل المثال إذا استخدم الغاز الطبيعي؛ فإن التفاعل يُسمّى (إعادة التشكيل بالبخار)، ولإنتاج المزيد من الهيدروجين يتبع هذا التفاعل ما يُسمّى (تفاعل إزاحة غاز الماء) والذي يستخدم بُخارًا إضافيًا ليتفاعل مع أول أكسيد الكربون الناتج من الخطوة الأولى، وتنتج هذه العملية ملايين الأطنان من غاز الهيدروجين كل عام، ولكنها تنتج أيضاً ثاني أكسيد الكربون بالقدر نفسه مما يَزيد من الانباعثات الكربونية والاحتباس الحراري.
ومن ضمن طرق إنتاج الهيدروجين أيضاً؛ طريقة الكيمياء الضوئية وهي تحليل الماء كيميائياً؛ حيث تُجرى الاستعانة بمادة غروية من البلاتين (عنصر فلزي أبيض) تساعد في تحوّل الماء إلى هيدروجين، وليتم هذا التفاعل بكفاءة تحتاج المادة للتنشيط بالإلكترونات التي يتم الحصول عليها من الصبغة المضافة أو المُحفِّزة لهذا التفاعل2.
ومن الطرق المهمة والمشهورة؛ التحليل الكهربائي للماء بالاستعانة بالطاقة الكهربائية لفصل جزئيات الهيدروجين عن الأكسجين في الماء عن طريق جهاز خاص يُعرف بـاسم (Electrolysis)، وهنا يتم استخدام الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر طاقة نظيفة كالشمس والرياح حتى تكتمل دورة الطاقة النظيفة ويصبح لدينا ما يُسمى بالهيدروجين الأخضر أو النظيف، ويُعوّل العلماء الكثير من الآمال الواسعة على هذه الطريقة، إلا أنّ نفقات إنتاجها مرتفعة جداً، ونجاحها مرهون بكفاءة التحليل الكهربائي الذي يُعطي كميات لاحصر لها من الهيدروجين تبعاً لقدرة التيار الكهربائي3.
مميزات الهيدروجين الأخضر
يتمتّع الهيدروجين الأخضر بمزايا عديدة، فهو يُعدّ أفضل مصادر الطاقة البديلة وأكثرها فعالية ونظافة بيئية، وسيُحدث استخدامه ثورةً كبيرة في عالم الطاقة النظيفة والمتجدّدة، فهو الغاز الأكثر نظافة فلا ينبعث منه أي غازات ملوثة سواء أثناء الاحتراق أو أثناء الإنتاج، مما يعمل على حماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري، فهو يعمل على زيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة والقضاء على الانبعاثات الكربونية في العديد من القطاعات بصورة أكبر من مصادر الطاقة الأخرى.
كما أنه قابل للتخزين فمن السهل تخزينه لوقت أطول قد يمتد لأسابيع أو شهور لاستخدامه وقت الحاجة، إما كغاز تحت الضغط العالي أو كمكون أساسي لبعض المركبات الهيدرية HYDRIDES، كما يمكن تخزينه في تطور جديد داخل أو على ألياف كربونية مجهرية، وكوقود سائل خفيض درجة الحرارة Cryogenic، مما يسمح باستخدامه لاحقًا لأغراض أخرى وفي أوقات أخرى غير مباشرة بعد إنتاجه، كما أن الهيدروجين الأخضر يمتاز بأنه متعدّد الاستخدامات فيمكن تحويله إلى كهرباء أو غاز اصطناعي واستخدامه للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية أو التنقُّل، كما أنه يمكن نقله إلى أماكن لا تتوفر فيها إمكانية توليد طاقة متجدّدة.
وعلى الرغم من المزايا الكبيرة للهيدروجين الأخضر إلا أنه له بعض العيوب من حيث مكان الإنتاج والاستخدام والنقل والتوصيل والتكلفة، فتعاني الكثير من الدول من عدم تجهيز البنية التحتية من خلال النقل والتخزين، ويتطلّب مساحة كبيرة، وتكلفة إنتاجه عالية جدًا، كما أنّ عملية نقل الهيدروجين وتخزينه صعبة؛ لأنه عنصر شديد التقلُّب وقابل للاشتعال ولذلك يلزم اتخاذ تدابير أمان شاملة لمنع التسرب والانفجارات، ويتطلب نقل الهيدروجين بكمياتٍ كبيرة أنابيب خاصة، بالإضافة إلى ضغط الغاز أو تحويله لسائل.
استخدامات الهيدروجين الأخضر
أصبح الهيدروجين الأخضر وقودًا مستخدمًا في العديد من البلدان كالولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، والصين، واليابان، وفرنسا، وألمانيا، ويعتبر الهيدروجين الأخضر ناقلاً للطاقة متعدّد الاستخدامات ونظيفاً ويتمتعّ بالمرونة؛ فيُمكن استخدامه لصناعات الصلب والصناعات الكيماوية وكوقود للسيارات وخاصة سيارات النقل، وممكن استخدامه في تدفئة المنزل ولتخزين الكهرباء، وللهيدروجين الأخضر استخدامات مستقبلية مؤثرة في العديد من المجالات أهمها في مجال النقل والحركة؛ ففي قطاع النقل، يمثّل الوقود الهيدروجيني أحد أفضل الخيارات الواعدة للحدّ من الانبعاثات الكربونية لوسائل النقل، نظراً لكثافته الضئيلة التي تجعل وزنه منخفضاً، ولزمن تعبئته القصيرة مقارنةً بزمن شحن البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، ويتطلّب تحويل وسائل المواصلات إلى العمل بالهيدروجين الأخضر وجود خلية خاصة موجودة داخل السيارة تعرف بـ (Hydrogen fuel cell stack)، وعن كيفية عمله يتم عن طريق دخول الهيدروجين من خزان السيارة ثم ينتقل ويتفاعل داخل الخلية مع مُحفّز موجود في الخلية يصنع من مادة غالية الثمن، وعندما يمر داخل الخلية يفقد الهيدروجين الإلكترونات فيدفع المركبة للحركة، ويكون عادم المركبة هو بخار الماء.
كما تسمح المرونة الكبيرة التي يتمتّع بها الهيدروجين باستخدامه في منافذ الاستهلاك التي يصعب فيها التخلص من الكربون بشكلٍ نهائي مثل قطاع الطيران والنقل البحري، وتخزين الطاقة، وتمتلك خزانات الهيدروجين المضغوطة القدرة على تخزين الطاقة لفترات زمنيّة طويلة، وإدارتها أسهل من إدارة بطاريات الليثيوم، ويعمل على توليد الكهرباء ومياه الشرب؛ حيث يمكن الحصول على الماء والكهرباء من تفاعل الهيدروجين مع الأكسجين في خلايا الوقود، وقد أثبتت هذه العملية فائدتها الكبيرة في البعثات الفضائية لتزويد الطاقم بمياه الشرب والكهرباء على نحو متجدد4.
ويستعمل الهيدروجين في الكثير من الصناعات كمادة خام كيميائية أولية في صناعة الصلب وإنتاج الأمونيا ومعامل التكرير وغيرها، أو كميثان صناعي لتقليل العمليات المسببة في انبعاثات عالية لغاز ثاني أكسيد الكربون، ويُستخدم خصوصًا في إنتاج الأسمدة الزراعية والدهانات والأدوية والصناعات البلاستيكية، ويستعمل أيضاً في معالجة الزيوت والدهون وكوقود للتحكم وصنع البنزين من الفحم، ولإنتاج الميتانول (كحول الخشب)5، وغيرها الكثير.
وأخيراً؛ بدأت أنظار العالم تتجه إلى إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر في ظل التحدي العالمي المُلحّ للمحافظة على استمرارية كوكب الأرض نتيجة للتغيُّرات المناخية، من أجل الوصول إلى الهدف المنشود وهو خفض انبعاث الكربون، ولا يزال تطوير الهيدروجين يتطلب دعماً مالياً مناسباً، وبنية تحتية وسياسية تتيح له تحقيق انتشار واسع.
الهوامش: 1. دانيال دي بيرلمتر، روبرت إل روثستاين، تحدِّي تغيُّر المناخ: أيَّ طريق نسلك؟ ترجمة أحمد شكل، مؤسسة هنداوي، 2017م، ص: 140-141-142.┊ 2. نصير أبو حجلة، الهيدروجين.. بديل النفط، مجلة الفيصل، العدد 136، ص: 88-89-90.┊ 3. بيتر هوفمن، مصادر الطاقة المستقبلية الهيدروجين وخلايا الوقود والتوقعات لكوكب أنظف، دار الفارابي، ترجمة ماجد كنج، ط1، 2009م، ص: 101-102.┊ 4. أحمد التلي؛ الهيدروجين الأخضر H2الثورة القادمة في عالم الطاقة، 5 فبراير2021م. [https://www.al-jazirah.com/2021/20210205/xy1.htm] ┊ 5. بيتر هوفمن، مصادر الطاقة المستقبلية الهيدروجين وخلايا الوقود والتوقعات لكوكب أنظف، دار الفارابي، ترجمة ماجد كنج، ط1، 2009م، ص: 27.