أعيشُ يومي في القراءة والكتابة

حوار مع الروائي طالب الرفاعي

حاوره: السيد حسين


يؤكد الروائي والكاتب الكويتي طالب الرفاعي؛ أن أعماله تقدم واقعًا فنيًا يُوازي واقع الحياة، وأن لكل مجتمع قوانينه الصلبة، والمتماسكة والقوية، ولا تسامح من يخرج عليها، فالكاتب يستطيع أن يخرج على هذه القوانين، ويقدم رؤية مغايرة ومختلفة، وقد تكون جريئة أكثر الواقع.
 

طالب الرفاعي روائي وقاص كويتي من مواليد 1958. من إصداراته "ظلّ الشمس"، "سرقات صغيرة"، "الثوب". نال جائزة الدولة في الآداب عام 2002 عن روايته "رائحة البحر". عمل مديراً لإدارة الثقافة والفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومديراً ومستشاراً لجريدة "الفنون". بالإضافة إلى الكتابة الروائية، له العديد من الأبحاث الأدبية والتاريخية، وهو رئيس جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، التي تأسست عام 2015، وتدار بالشراكة مع الجامعة الأمريكية في الكويت، حيث يدرّس مادة الكتابة الإبداعية. كان رئيس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية في العام 2010، وترشحت روايته "في الهنا" (2014) في القائمة الطويلة لجائزة العام 2016. وأضاف الرفاعي في حواره أن النص الإبداعي يخسر الكثير بعدم وجود حركة نقدية طليعية، تقدمه للقراء بتسليط الضوء على منعطفات عوالمه..


وقد كان لنا معه الحوار الآتي:

 

 منْ يقرأ سيرتك الأدبية يرى أنك بدأت بكتابة القصة في منتصف السبعينات، ومن ثم انتقلت لكتابة الرواية في أواخر التسعينيات، فأين أنتَ الآن من القصة والرواية؟

نشرتُ أول قصة قصيرة لي في جريدة "الوطن" الكويتية بتاريخ 17 يناير 1978، أولاً لأنني كنت ولم أزل عاشقاً لفن القصة القصيرة قراءةً وكتابةً، وثانياً لأن القصة والشعر وقتها كانا يتسيدان المشهد الثقافي العربي. وحينها لم يكن سهلاً أبداً الاعتراف بك ككاتبٍ للقصة، لا على مستوى تناول قصصك نقدياً، ولا على مستوى النشر في دور نشر محترمة، وكم كانت سعادتي حين نشرت مجموعتي القصصية الأولى "أبو عجاج طال عمرك" لدى دار الآداب البيروتية، يوم كان سيهل إداريس يُدير دفتها، وكيف أنها حظيت بدراسات نقدية كثيرة، ومن مختلف نقاد الوطن العربي. وهكذا اشتغلت بفن القصة لحين عام 1996، يوم بدأت بكتابة فكرة، لأرى أن ثوب القصة فنياً لا يتسع لها، مما أخذني لجنس الرواية، وكانت أن ولِدت أول رواية لي بعنوان "ظل الشمس"، ونشرتها بطبعتها الأولى لدى دار "شرقيات" في القاهرة، وكان ذاك عام 1998.

الآن؛ أعيش يومي في القراءة والكتابة بين القصة والرواية، وحين تأتيني فكرة أذهب أولاً إلى القصة القصيرة، إلا إذا شعرت بامتدادات الفكرة زميناً، وتعدد شخوصها بتقاطع مصائرهم؛ فإنني أنتبه لإمكانية كتابة الفكرة كرواية. علماً بأن كتاب القصة القصيرة تمتعني حد الفرح، بينما أعيش عوالم رواياتي كحياة أخرى لي.

 كيف كانت علاقتكَ بفنّ الرواية قبل الشروع بكتابة نصك الروائيّ الأوّل؟ وهل تأثرت في تجربتك الأولى بأعمال معينة أو صادفت حدثاً شعرت بأنَّه لا يمكنُ التعبير عنه إلّا في الشكل الروائي؟

بدأت قراءاتي الأولى بروايات، ووقتها شعرتُ أنني أنكشف على عوالم ملونة وساحرة، وأنني أمام حيوات كثيرة لا يمكنني معايشتها على أرض الواقع، لذا تعلقتُ قراءة الرواية بوصفها معايشة حياة أخرى توازي حياة الواقع. وهذا الإحساس ما زال يلازمني حتى اللحظة. ولقد تأثرت بكثير من الكتّاب العالميين والعرب، ولكني كنت ولم أزل أذهب إلى الكتابة بخاطري وفكرتي ومفردتي وجملتي، وقد نسيت كل ما قرأت. قد يتسرب شيء من تأثري بأي كاتب عبر اللاوعي إلى كتاباتي، لكن ولأني أعيد كتابة أعمالي القصصية والروائية مرة ومرتين وعشراً وعشرين أحياناً؛ فإنني أنتهي إلى كتابة ما أريد بمفردتي وجملتي ووجهة نظري.

بعد سنوات خبرة طويلة في القراءة أو الكتابة، صرتُ أدرك بوضوح لحظة تلوح أمامي فكرة إن كان يمكن كتابتها كقصة قصيرة أو رواية. فهناك أفكار لا يمكن كتابتها كقصة لا لشيء إلا لكونها تحمل في ذاتها امتدادات زمنية أفقية، وهو ما يتناسب أكثر مع البناء الروائي.

 حدثنا عن روايتك "خطفُ الحبيب" وعن ظروف كتاباتها؟

‏في بادرة ثقافية غير مسبوقة؛ روايتي "خطف الحبيب" تُنشر متزامنة لدى 14 ناشراً عربيًا لتغطي جميع العواصم العربية، وتكون بمتناول القارئ حيثما كان، والرواية تطرح العديد من القضايا والمشكلات التي تلامس الوجدان، وتشير إلى عدد من القضايا والمشكلات في الكويت مثل: الخدم وتأثيرهم وسلوكياتهم، العمالة الوافدة، التجنيس، الواسطة، البذخ والإسراف مقابل الفقر والحاجة، التعسّف الوظيفي، التفكك الأسري، الطلاق العاطفي، العنف الأسري، عقوق الوالدين، وغيرها من المشكلات التي تعمل على إضعاف المجتمعات ومفاقمة تمايزها الطبقي، وغلبة الحياة المادية والاستهلاكية، وجفاف العلاقات الإنسانية. وكل ذلك يلعب دورًا مهمًا في تغذية موارد التطرف والإرهاب وغيرها.

وتؤكد على تغليب القيم والعلاقات الإنسانية، والتكافل الاجتماعي، وترسيخ ثقافة الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر، وتوفير البدائل، والانتصار للحق وليس للأشخاص، وعدم احتكار الحقيقة وفهم الدين.

 يرى بعض النقاد أنَّ الرواية الأولى عبارة عن استعادة للتجربة الذاتيّة وسُمّي هذا النوع برواية التكوين، إلى أي مدى يمتثلُ عملك الأول لهذا التوصيف؟

كتبت عملي الروائي الأول وفق مدرسة التخييل الذاتي، التي تتخذ من السيرة الذاتية الحقيقة أساساً لها. لذا فإن رواية "ظل الشمس" تقدم جزءاً من سيرتي الذاتية الحقيقية، كوني أحد شخصياتها وباسمي الحقيقي، وبوجودي في موقع العمل الإنشائي، كوني مهندس مدني تخرجت من كلية الهندسة والبترول في جامعة الكويت عام 1982، وعملت في المواقع الإنشائية حتى عام 1996. حين كتبت روايتي الأولى، كنتُ حينها أودع عملي كمدير لمشروع إنشائي كبير في الكويت، وسط جيش من العمالة العربية والأجنبية. ولذا قدّمت الرواية توثيقاً روائياً لحالة المغترب العربي والأجنبي على أرض الكويت، ومواجهاته لقساوة حياة الغربة والعيش.

 هل تعتقد أنَّ السر وراء تصاعد الإصدارات الروائية يكمن في انفتاح المجتمعات وما توفّره الرواية من المجال لتناول المفاهيم الفكرية في إطار أوسع؟

هناك أكثر من عامل وراء تصاعد الإصدارات الروائية، من بينها: انتشار جنس الرواية، عالمياً وعربياً، بشكل واسع خلال العقود الثلاث الماضية، وكذلك طبيعة جنس الرواية، بقدرته على استيعاب أشكال متعددة من الكتابات الشعرية والقصصية وحتى المسرحية. وأخيراً سهولة الكتابة الرواية مقارنة بالقصة، في زمن انزوى به الشعر والمسرح. وأخيراً سهولة النشر ووفرة الجوائز الخاصة بالرواية.

 في روايتك "حابي" أنت تناولت قضية شائكة إلى حد ما، وهي تحول فتاة كويتية إلى شاب بعد إجراء عملية ألا ترى أنها مغامرة روائية جريئة وصادمة؟

في الحقيقة كل كتابة مغامرة.. وروايتي الأولى كانت عن مأساة مدرس مصري في الكويت، ومأزق وجوده في الغربة حينما يقع تحت سكين تجار الإقامة، وكانت مغامرة بالنسبة لي وأنا موجود باسمي الحقيقي وتجربتي الحقيقية حينما كنت مهندساً، وحينما كتبت روايتي "سمر كلمات" كتبت عن فتاة مطلقة هي بصدد الزواج من زوج أختها، كانت مأزق رواية "في الهنا" تحكي موضوع بنت شابة كويتية شيعية ترتبط برجل سني متزوج، فهي شيعية وهو سني هي عزباء وهو متزوج، وأنا أرى أن حدة الموضوع هو جزء أساسي من الكتابة الروائية، وبالتالي فرواية "حابي" تتكلم عن قصة فتاة كويتية عمرها 16 عامًا، اكتشف أهلها أن الدورة الشهرية لا تأتيها، وكل الفحوصات الطبية أثبتت أنها ولد، ثم دخلت في قضية التحول والعمليات المصاحبة، وتبدو الأحداث صادمة، ولكنها في القلب هي رواية إنسانية، وكيف ينظر المجتمع الكويتي، والمجتمع الخليجي، والمجتمع العربي، والمجتمع الإنساني لهذه الحادثة.

أنا بقيت سنة كاملة أدرس هذا الموضوع طبيًا، وعندي أكثر من 1300 ورقة من الأبحاث التي تناقش هذا الموضوع، ثم طالعت العديد والعديد من أفلام اليوتيوب حول هذه القضية، واستمعت إلى الكثير من المتحولين ثم الأفلام الروائية، ثم قابلت أشخاصاً متحولين، وقابلت بطل قصة في الكويت، وقابلت أشخاصاً في المملكة العربية السعودية وأشخاصاً في لندن، لكي أستمع إلى تجربتهم عن قرب، وبعد هذه السنة تقريبًا بدأت كتابة هذه الرواية، وأعتقد رغم ما يقال إنها رواية تتكلم عن التحول الجنسي؛ أن صُلب الرواية يتكلم عن المعاناة الإنسانية، ويتكلم عن الوجع الإنساني وعن مشكلة الأسرة.. لذا؛ استطاعت أن تحصل على اهتمام نقدي كبير، وهي الآن معروضة أمام الترجمة الفرنسية، وأتمنى أن تجد قبولاً لدى القارئ العربي.

 هل شخصيات أعمالك الروائية تنبع من البيئة المحيطة؟

بالتأكيد طبعاً؛ وأنا كنت ولا زالت وأنا منذ بدأت كتابة القصة القصيرة أرى أن الواقع هو الكنز الكبير الذي ينهل منه أي كاتب، ولأن البعض يعتقد أن الكتابة فن فنتازي أكثر من الواقع؛ إنما الحقيقية أن الواقع فيه فنتازية وفيه عمق لا يمكن لأي كاتب أن يرصده، والرواية العربية الآن التي نتكلم عنها أمام المشهد العراقي وأمام المشهد السوري، وما يحدث في اليمن وفي دول كثيرة، يصعب رصد هذا المشهد المتحرك يوميًا من مآسٍ وأوجاعٍ وحروب وعدوان، وقتل وعشق وولادات، لذا أنا شخصيًا أنهل من الواقع، وأحاول دائماً أن آخذ منه. والراوية والقصة دائماً تبدأ بقصة وفكرة صغيرة من الواقع، يمكن أن أسمعها من خلال صديق، ويمكن أن أرى فكرة بعيني، أو أراها في التلفاز، أو أقرأها في مجلة، ثم أشتغل على هذه الفكرة.. زيادة على ذلك أنا أدرس مادة الكتابة الإبداعية في الجامعة، وهذه المادة تقول بالدرجة الأولى: الاشتغال على القصة أو الرواية، أو الشعر أو المسرح بالضرورة يتطلب من الإنسان أن ينمي أدواته.. والكاتب عليه معرفة حركة الزمن في الرواية، وبناء الشخصية والانتقال من السرد إلى الحوار، وبالتالي أنا أعتمد على الواقع، ولكن هناك مساحة كبيرة للخيال في أعمالي.

 هل معنى ذلك أن أعمالك تكشف الواقع المُعاش أو بعض قضاياه؟

أعمالي تقدم واقعًا فنيًا يُوازي واقع الحياة؛ ولأن الحياة لديها قوانينها القاسية تكسر من يخرج عليها، ولكل مجتمع قوانينه الصلبة، والمتماسكة والقوية، ولا تسامح من يخرج عليها، فالكاتب يستطيع أن يخرج على هذه القوانين ويقدم رؤية مغايرة ومختلفة وقد تكون جريئة أكثر من الواقع.

 ثمة علاقة جدلية بين الإبداع والمتابعة النقدية.. برأيك هل يواكب الحراك النقدي ما يسمى بالتضخم الروائي؟ وماذا يخسر النص الإبداعي في غياب النقد؟

واضح جداً انكفاء الحركة النقدية العربية -إلا من أصوات منفردة- وعدم قدرتها على مواكبة النتاج الإبداعي الروائي، أو القصصي الغزير.. مما يؤكد -أيضاً- أن النص الإبداعي يخسر الكثير بعدم وجود حركة نقدية طليعية، تقدمه للقراء بتسليط الضوء على منعطفات عوالمه، وبكتابة نقدية توازي الإبداع الروائي، وتضيف إليه كشفاً يمكّن كل قارئ من الوصول إليه.

 أطلقت عام 2015 "جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية" التي بات يُنظر إليها بوصفها أهم جائزة للقصة القصيرة العربية، فما السبب وراء ذلك؟ كما أنك تشغل حالياً منصب "نائب رئيس منتدى الجوائز العربية" فكيف تنظر لمشاهد الجوائز العربية؟

أطلقت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية؛ لأني عاشق لفن القصة القصيرة، ولأنه يلاقي شيئاً من العزوف عند القارئ والناشر، وأشعر اليوم بسعادة كبيرة لقدرة هذه الجائزة، بعد مرور أربع دورات، بإثبات نفسها برعاية جامعة الشرق الأوسط الأمريكية في الكويت الـ (AUM)، وأنها أعادت شيئاً من الألق والحضور لهذا الفن الجميل، خاصة وأن الجائزة تتلقى سنوياً ما يزيد على مائتَيِ مجموعة قصصية عربية، بما يوحي بحيوية المشهد القصصي العربي.

أما فيما يخص كوني نائباً لرئيس منتدى الجوائز العربية؛ فإن المنتدى يمثل مظلة عربية واسعة لكل الجوائز العربية، ويعمل على زيادة التعاون فيما بين الجوائز بغية رفع مستوى النتاج الإبداعي العربي، وتقديم كل ما يمكن تقديمه للمبدع العربي. وأنا أرى أن مشهد الجوائز العربية مشهد متحرك، ولقد استطاع أن يخلق جسراً قوياً بين النتاج الإبداعي العربي، وبين القارئ في مختلف أقطار الوطن العربي.

 هل ترى أن للرواية الكويتية والخليجية مفهومها الخاص؟ أم أنها انخرطت في الرواية العربية؟

أنا دائماً أقول إن المشهد الروائي العربي دائماً هو سجادة، وكل مشهد مختلف عن الآخر، فالرواية المصرية تتكلم عن الهم المصري، والرواية العراقية تتكلم عن الهم العراقي، والسورية والفلسطينية والسودانية، وكذلك الرواية الخليجية.. والروائية جوخة الحارثي تتكلم عن سلطنة عمان، ويوسف المحميد يتكلم عن السعودية، وعبده خال وغيرهم... والرواية الكويتية تتكلم عن الكويت، وكل رواية عربية تتكلم عن عالمها وعن بيئتها وعن همومها، وعن انكساراتها وأوجاعها وآمالها مجتمعة، هذه الرواية السعودية والكويتية والبحرينية والمصرية والتونسية والإماراتية والقطرية تشكل مشهدًا للرواية العربية.

 تُرجمت أعمال الروائيين المعاصرين بغزارة، كيف انعكس ذلك على وعي القراء؟ هل أصبحوا أكثر إداركًا لخصوصيات العمل الروائي، ثم ألا تعتبر مقارنة القارئ لنصوص مترجمة مع الروايات العربية تحدياً للمبدع العربي؟

أظن إن ترجمة أعمال روائية عالمية، بسوية ترجمة عالية وجادة ومقدِّرة لأهمية الترجمة بروح النص الروائي، يفيد القارئ العربي لأنه يتيح أمامه فرصة جميلة للاطلاع على مستوى الإبداع العالمي، وكذلك لطبيعة عيش الإنسان في مجتمعات أخرى. فالرواية في جزء من تعريفاتها هي توثيق لحالة اجتماعية تنطق بها. وفيما يخصّ التحدي الذي يواجه الروائي العربي بمواجهة نص أجنبي، فأنا أرى أن ذلك يشكل تحدياً إيجابياً للروائي العربي في قدرته على كتابة نص روائي يمثل اللحظة الإنسانية العابرة، ويقف باعتزاز إلى جانب النص العالمي، ويكون صالحاً للقراءة في أي مكان ولدى أي قارئ.

 كيف ترى وتُقيّم المشهد الثقافي والأدبي في الكويت حاليًا؟

المشهد الأدبي والثقافي في الكويت حاليًا يدعو على السرور، والسبب الحقيقي هو ذلك النشاط وتلك الهمة الكبيرة التي أجدها بين الشباب، وأنا في بداية نشر أعمالي نشرت في دار الآداب ببيروت وزملاء آخرين نشروا في القاهرة وبغداد، الآن عندنا عشرات دور النشر الكويتية، وكل هذه الدور على رأسها شباب، بالإضافة إلى انشغال عدد من الشباب الكويتي الآن بالنشر، سواء على مستوى الرواية أو القصة.. صحيح أن كل هذا الإنتاج ليس جيداً، وليس كل هذا الإنتاج يتوفر على الشروط الأساسية لجنس القصة أو جنس الرواية، أو ضرورات الشعر، ولكنه يقول بشكل أو بآخر عن انشغال الشباب الكويتي الآن بالقراءة والكتابة، خصوصًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في ذلك، وكذلك النشاط الأساسي الذي يقيمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإلى جانب هذا النشاط هناك عشرات الأنشطة وهي أنشطة شبابية الحقيقة، وأنشطة أهلية تنظمها منصات واجتماعات، والاستماع لشهادات كتاب عرب؛ إذن أنا متفائل بالمشهد الكويتي، وأنّ هناك أسماءً كويتيةً استطاعت أن تكسر المحلية، وتنتقل إلى الخليجية والعربية وربما العالمية.

 هل ترى أن الكيانات الحاضنة للتيارات الأدبية في الكويت خفت بعض الشيء.. ثم ما دور تلك الملتقيات في إحداث نهضة أدبية كويتية؟

أنا أرى العكس تماماً، والآن هناك الملتقى الثقافي وهناك تكوين وجليس، وهناك منصات كثيرة للقراءة، وفي الكويت تحديدًا أتكلم والحركة الأدبية الأهلية المتمثلة بالكيانات والصالونات الأدبية والمنصات واللقاءات هي نشطة جدًا، والسبب الأساسي هو سقف الحرية العالي في الكويت، ونحن في الكويت نقول أشياء كثيرة يصعب على الآخرين قولها، وذلك انطلاقاً من الظاهرة الكويتية الأهم، وهي الديوانية التي تمثل صوتاً عالياً تجاه كل القضايا، لذا أرى أن الكيانات الثقافية الأهلية حاضرة ومتجددة، وكبيرة ومتنوعة في الكويت.

 ماذا أضاف جليكم للساحة الأدبية بشكل عام والكويتية بشكل خاص؟ وبعد رحيل إسماعيل فهد إسماعيل هل تتوقع بزوغ أسماء تمتلك مشروعًا مماثلاً؟

أعتقد أنه منذ أكثر من عقدين من الزمن هناك أسماء كويتية فاعلة، صحيح أن إسماعيل فهد إسماعيل قامة كبيرة ورائعة، وقد يجمع الجميع أنه قد ظلم في حياته ولم ينل حقه من الشهرة والحضور، وهو بدأ عمله الأول في عام 1970 من القرن الماضي، وهي رواية "سماء زرقاء"، وكانت بتقديم ساحر للشاعر صلاح عبد الصبور، وهذا ما جعل إسماعيل فهد ينتشر، ثم جاءت الأعمال الأخرى عن العراق وعن بيروت وعن مصر في "ثلاثية النيل يجري شمالا"، وعن الكويت وغيرها، وهو كاتب موسوعي وإنساني جدًا، وبعد رحليه فالساحة الكويتية مليئة بالأسماء الأدبية الهامة، مثل ليلى العثمان وسليمان الشطي، وحمد الحمد وهدي الشوا، ونجمة إدريس بالإضافة إلى الأسماء الشبابية التي برزت في السنوات الأخيرة، مثل سعود السنعوسي، وبثينة العيسة، وباسمة العنزي، وهناك جيل أحدث من هولاء أيضًا مثل عبدالله الحسيني، وبدر البراعصي حسين المطوع، وموضي، وأسماء كثيرة أخرى. والأرض الكويتية ولادة واستطاعت الرواية والقصة الكويتية أن تتبوأ مكانة واضحة على ساحة وسجادة الأدب الإبداعي العربي.

 هيئة الشارقة للكتاب اختارتك "شخصية العام الثقافية" لعام 2021 في الدورة الأربعين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.. حدثنا عن هذا الاختيار وكيف كان؟

في الحقيقة شرّفني وأسعدني إعلان تكريمي باختياري "شخصية العام الثقافية" في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين. وإذا كان هذا التكريم قد جاء بمباركة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، عضو المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات الحبيبة. وأول ما خطر ببالي هو أن هذا التكريم وبقدر ما يخصني؛ فإنه يخص تكريم بلادي الكويت، وأؤكد أنه يعني تكريم جميع زملائي الأدباء والمثقفين، فما أنا إلا نتاج تلك النهضة الفكرية الكبيرة التي عاشتها الكويت منذ صدور مجلة "العربي" عام مولدي في 1958، وما تلاها من حركة فكرية وإبداعية كبيرة، وصل تأثيرها النيّر إلى أقاصي أقطار وطني العربي الحبيب.

وتكريمي من الشارقة تحديداً، شارقة الفكر والإبداع والثقافة، الإمارة التي فرضت إشعاع فكرها على العالم العربي والعالم، يمثل مسؤولية كبيرة سأسعى ما أمكنني لتحمّلها، وتأكيدها بمزيد من العمل والعطاء الإبداعي والثقافي بصفتي الشخصية.

 هل ترى أن الكتابة تمرد؟

بالضرورة لا بُدّ أن تكون كذلك.. الكتابة خروج عن المألوف، والكتابة تسليط ضوء على البؤر المظلمة، والكتابة صوت من لا صوت له، والكتابة صرخة عالية في وجه المجتمع، وبالتالي هي تمرد وبالتأكيد.

 هل نحن نعيش زمن الرواية؟

لا أعتقد ذلك؛ والرواية موجودة ومنتشرة في العالم كله وأنا ضد هذه المقولة، نحن نعيش عصر النص الجميل، سواء كان فيلماً سينمائياً، أو مجموعةً قصصيةً، ولو قرأت قصيدة جميلة سوف تستمتع وتؤثر فيك، ونحن نعيش عصراً فيه الرواية منتشرة أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى.

 هل ترى أن الجوائز الأدبية العربية أسهمت في تطور الحركة الثقافية العربية؟

قولاً واحدًا نعم؛ لأن الجوائز العربية أثرت تأثيرًا كبيرًا في المشهد الإبداعي العربي، وكانت ولا تزال تشكل حافزًا للكتاب بشكل عام؛ لأننا نعلم أن الكاتب العربي وضعه المادي سيئ، وكل الكتاب العرب يعانون ويشتغلون في وظائف مختلفة، ويكتب في الوقت الزائد في حياته وليس لدينا كتاب متفرغون، وبالتالي الجائزة العربية أنصفت الكاتب العربي، وقدمت له شيئاً من العطاء المادي، وتقديرًا لعمله، وساهمت في توصليه إلى جمهور أكبر، وساهمت في ترجمة أعماله إلى لغات أخرى، وبالتالي نحن مع الجوائز العربية، وهذا ما دفع بمجموعة من الجوائز العربية أن تنادي باجتماع، ونطلق ما يسمى منتدى الجوائز العربية، وتبنته جائزة الملك فيصل، وتشرفت هذه الجوائز مجتمعة أن يكون الرئيس الشرفي لها سمو الأمير خالد الفيصل، وتشرفت أن أكون نائباً للرئيس لهذا المنتدى، وتعمل من أجل إيجاد نوع من التنسيق والتعاون بين الجوائز العربية، وتعمل فيما بينها لحضور الكاتب والنص الإبداعي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها