الذِّئابُ والكتاب!

سعيد اتليلي

حَذر الأب ابنه من الذئب قبل رحيله تاركاً إيّاهُ قبالة ما يزيد عن ستين رأساً من الغنم. "اطمئن يا أبتي" قالها الابن ورأسه مطأطأ في كتاب. أصبح الطفل منذ وقت وجيز مدمناً على المطالعة، يقرأ بنهم شديد. تثيره الحكايات والقصص، ويمكنه البقاء لساعات دون حراك أمامها. كان الأب على حق إذاً في قلقه على ابنه من الذئب.

كان الابن يقرأ حكاية الراعي الصغير والذئب. "كان يا ماكان في قديم الزمان، كان هناك راع صغير يأخذ كل يوم قطيع الأغنام إلى المرعى..." تعرفون القصة طبعاً. كان وهو يقرأ يبدو في غاية المتعة، وخصوصاً عندما يمل الراعي الصغير، ويصيح عالياً طالباً النجدة، فيأتي المزارعون ليجدوا الأمور على خير. يضحك الابن عالياً مما قرأ ولكنه من حين لآخر يلقي نظرة على أغنامه الستين ويَطْمَئن. مع توالي لحظات المرح التي يستمتع بها الراعي الصغير وهو يستدعي المزارعين المساكين، تزايد مرَح الابن القارئ الذي تعالت ضحكاته حتى أثارت أغنامه الستين. يستغيث الراعي الصغير بالمزارعين مجدداً فيُهرعون إليه دون كلل فينكرون عليه فعله ذاك. عبثه مستمر وصبرهم في طريقه إلى النفاذ. يشيح الابن بنظره عن الكتاب نحو خرافه الستين. فكر: "لا خطر عليها. أنا في مأمن من الذئب". عاد ليكمل القصة. زاد استهتار الراعي الصغير بحُماته فقرروا أن يتجاهلوا استغاثته إن هو أعاد الكَرَّة.

أعاد المسكينُ الكرة، ولحَظه العاثر تزامن ذلك مع حضور فعلي لضيف بمخالب طويلة وأسنان حادة وقوية. إنه الذئب، مخلوق لا يعرف الرحمة وقد فتك بجميع أغنامه أمام عينيه. كان الراعي الصغير يصرخ ويستنجد بالمزارعين دون طائل. ثم بعد أن أتم الذئب مأدبته التفت إلى الراعي. تيقن هذا الأخير أن حياته قد دنت من نهايتها فندم على فعلته أشد الندم ولكن بعد فوات الأوان.

قرأ الابن الجملة النهائية للقصة: "وانقضّ الذئب على الراعي المسكين وافترسه دون رحمة". تحسّر القارئ الصغير على الراعي في سخرية، لكنه عندما رفع رأسه عن صفحات الكتاب وجد شيئاً غريباً اهتز له قلبه: وجد أغنامه واقفة وقوفاً مريباً كأنها ليست هي. وقف ليتحقق من الأمر. لأول مرة يقف من مكانه منذ أن جلس. اقترب من إحداها فبدت له عيناها أكثر سواداً من ذي قبل. وضع يده عليها فانسلت فَروتها وظهر تحتها جلد أسود كالليل. رفع رأسه فوجد السواد يغطي المكان. لم يعد لخرافه أي وجود فلم يبق منها إلا فراؤها التي تغطت بها الذئاب لتوهم الراعي بأن كل شيء على ما يرام. تمنى لو كان لديه الوقت ليصرخ طلباً للنجدة، كما فعل الراعي الصغير، فلم تمهله الذئاب لحظة واحدة لفعل ذلك، بل انقضت عليه، وسقط الكتاب مفتوحاً على الصفحة الأخيرة معلنة نهاية القصتين.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها