دورُ الأغاني الشعبية في تربية الأطفال

عبده الزرّاع


إذا كان في الغرب مَن يعتقد أن طائر اللقلق هو من يجلب الأطفال من الجنة أو من مكان جميل بعيد، ويحملهم إلى الأسرة في منقاره ملفوفين في وشاح أبيض؛ فإنني أجزم أن الطفل المصري حسب هذا الاعتقاد كان سيأتي ملفوفاً في وشاح من الغناء؛ إذْ لا يوجد موقف واحد في حياة الطفل منذ ولادته يخلو من الغناء.

والأغنية الشعبية هي عبارة عن مقطوعات غنائية أبدعتها المخيلة الشعبية، وأقرتها الجماعة الشعبية، ورسخت في الوجدان الجمعي، وحفظت عن ظهر قلب، وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل. وتستخدم الأغاني الشعبية في كل مناحي حياتنا.. ولكل غرض من أغراض الحياة له أغانيه الخاصة به، وتختلف هذه الأغاني في صياغتها ومفرداتها بين عصر وآخر، وبين إقليم وآخر، بل بين قرية وعزبة، بل بين طائفة وأخرى، فقد يضاف إليها أو يحذف منها حسب الراوي الذي يروي هذه الأغنية، وحسب البيئة التي أنتجتها بشكل يتناسب مع مفرداتها الحياتية.

 

دور الأغنية الشعبية:

تلعب الأغنية الشعبية دوراً هاماً في حياة الشعوب؛ إذْ إنها تقوم بعدة أدوار في حياة الفرد، فهي تصاحبه في طفولته وصباه وعند زواجه وأثناء العمل، ويشدو بها في الاحتفالات الدينية، وتقال بعد موته (...)، والأغنية الشعبية أحد المفردات التي تشارك في تكوين شخصية الطفل؛ لأنها هي أقرب الأشكال التعليمية التي يمكن من خلالها السير بالتنشئة الاجتماعية في الطريق الذي ترجوه الأسرة، وبالتالي المجتمع بالإضافة إلى معاونة الأم في تعليم الطفل بعض المهارات الأساسية.
 

الهدف من هذه الأغاني:

نبعت هذه الأغاني من الاحتجاج الإنساني والرغبة في التعبير عن الفرح أو عن الحزن، أو الاستئناس الكون وخلق حالة مؤنسة، يؤكد بها الإنسان عمق حضوره من الوجود، ثم صارت الرغبة فكرة ثم جرى تشخيص الفكرة في كلمات ذات تشكيل إيقاعي، يحتوي مضموناً موسيقياً موازياً لما تتضمنه الكلمات من معانٍ ومشاعرَ وصور من الحياة، ثم تعود إلى الوجدان الجماعي وقد صارت شكلا جمالياً فنياً قائماً بذاته يحدث في النفوس تأثيراً خاصاً.

وتكتسب الأغنيات قوتها ونفوذها من مدى انتشارها على ألسنة العامة، لذا تخلد في الوجدان الشعبي، لما تقوم به من دور فاعل في سياق اجتماعي على مستوى القبيلة أو القرية.
 

أهمية الأغاني في حياة الطفل:

لعله من الصعب بمكان أن نحصي الكم الهائل ومدى النفع العميم الذي اكتسبناه من خلال الأغنية البسيطة، فكم من أخلاق تغرسها فينا، كالصبر والأدب واحترام الفقراء والكبار والإحسان إلى الحيوان، وحب الطبيعة وحب الوطن، وبعض التسلط والقوة الغاشمة، وغيرها من الخصال والسجايا الحميدة التي تغرس في قلبنا ونحن أطفال.

ترى هدى قناوي أن الأغنية قد تكون وسيلة لأغراض متعددة:
◅ فهي قد تكون وسيلة للإقناع والترفيه وجلب السرور للطفل.
◅ وقد تكون الأغنية وسيلة للتعبير عن انفعالات الطفل.
◅ والأغنية وسيلة للسمو بحس الطفل الفني ورفع ذوقه الأدبي.
◅ والأغنية وسيلة لنمو وتكوين اتجاهاته وقيمة ومثله العليا.
◅ تعلم الطفل كيف يستعمل صوته منغماً.

أقسام أغنيات الطفل:

تنقسم أغنيات الطفولة إلى قسمين رئيسيين، هما: أغنيات تغنيها النساء للأطفال، وأغيات تغنيها الأطفال بأنفسها، وفي هذا المقال سوف نكتفي بالأغنيات التي تغنيها النساء للأطفال.

أغنيات تغنيها النساء للأطفال:

والأغنيات التي تغنيها النساء للأطفال كثيرة ومتنوعة، وفي مناسبات مختلفة، "ونستطيع القول بأن الطفل المصري طفولته إيقاعية، منغمة خاصة جداً، طفولة مضفورة بالأغنيات، فيها يتشكل وجدانه بشكل متشابه يتفق في الصعيد مع الفلاحين؛ لأن الأم التي تهدهد هنا وهناك واحدة، والطفل الذي يتشكل وعيه يتقاسم هذا الوجدان مع غيره، ومنه يتعلمون جميعاً الحياة بشفرة مجتمعه متشابهة تكون فيما بعد الضمير الجمعي"، ومن هذه الأغنيات: أغاني التهنين، وأغاني السبوع، وأغاني، وأغاني الطهور، وغيرها.

أولاً: أغاني التهنين:

وتغنيها الأم أو الجدة للطفل لكي ينام، وهذه الأغنيات يكون إيقاعها رتيب تحافظ عليه المؤدية من خلال الربت المنتظم على جسم الطفل مما يريح أعصابه ويجعله ينام، وفي الغالب تكون معاني هذه الأغنيات متعلقة بنوع المولود أو فرحة الأم بأنها قد أنجبت رغم ادّعاء البعض بأنها لا تنجب، فإذا كان المولود ذكراً تقول الأم عند تهنينه:
لما قالوا دا ولد
اتشد ضهري واتسند
وجابولي البيض مقشر
وعليه السمن البلدي
لما قالوا دي بنيه
هدوا سقف البيت عليه
وجابولي البيض بقشره
وبدال السمنه ميه.

وبعد كل رباعية تردد كلمة ثابتة "هو هو" بالواو الممدودة، أما إذا كانت المولودة أنثى، فتقول الأم عند تهنينها:
لما قالوا دي بنيه
أنا قلت ياليلة هنية
تيجي تفتح الباب عليه
وتملالي القله ميه هوهو
ولما قالوا دا غلام
أنا قلت ياليلة ضلام
أكبره وأسمنه
وياخدوه مني النسوان هوهو

وتوجد أغنية تدلل فيها الأم وليدها، وتغني له أثناء التدليل، ويغلب على مفردات هذه الأغنيات الضوء، وإزالة الهم والشعور بالارتياح، تقول الأغنية:
هي وهي.. وهي وهي
دا أنت مليت الدنيا ضي
سنك صبي ومنك ضي
ومنك تزيح الهم شوي.

وقد يكون التهنين تصوير لحلم الأم وتخيلها أن ابنها قد شب عن الطوق، وأصبح رجلا وتدير معه حواراً:
أنا رأيته بيطاطي
والعبايه علي حجازي
كنت يا حبيبي غايب
كنت بأحيي الغوازي هوهو
ننا نام ننا نام
ياللى يسكت.. ياللى يسكت
وأدبحلك جوزين الكتكت
أنا رأيته بيطوف
والعبايه على الكتوف
كنت فين يا حبيب غايب
كنت بأحيي الضيوف هوهو
ننا نام ننا نام
وأدبحلك بطه وجوزين حمام
ياكلهم وليدي وينام.

ولا تقتصر أغاني التهنين على دغدغة وترقيص الأطفال وملاعبتهم ومداعبتهم، بل تقوم أيضاً بوظيفة تربوية لتعليم المشي والتصفيق، تقول الأغنية:
اللي يسقف أبوه يكسيه
توب حرير يتمخطر بيه
اللي يسقف أبوه يكسيه
توب حرير يدلع بيه

وتوجد أغنية فرعونية تعلم الطفل المشي، وكلمات هذه الأغنية متوارثة منذ آلاف السنين، وهي: "تاتا" وتعني في الهيروغليفية الأرض، والمثنى لها كلمة "تاوي"، وتعني الأرضين أي أرض الشمال (الدلتا) وأرض الجنوب (الصعيد)، تقول الأغنية:
تاتا عدى العتبة
تاتا حبه حبه

وبداية التعلم خطوة تتلوها بعد ذلك خطوات.

ثانياً: أغنيات السبوع:

يعتبر السبوع هو الاحتفالية الأولى في حياة الطفل، وتختلف أشكال هذه الاحتفالية من أسرة لأخرى حسب نوع المولود وتربيته والحالة الاقتصادية للأسرة، ومكانة الأسرة الاجتماعية، فنجد أن هناك أسراً تقوم بذبح ذبيحة وتوزيعها على الفقراء والجيران، والبعض الآخر يحيي هذه الاحتفالية بواسطة فرق فنية من المحترفين، والبعض الآخر يكتفي باحتفالية أسرية بسيطة يشارك فيها أطفال الجيران ونساء الأسرة والداية، ولكن الملاحظ أن هناك أغنيات مشتركة تكاد تكون ثابتة في جميع الأحوال، مثل:
يا رب يا ربنا تكبر وتبقى قدنا
يا رب يا ربنا تكبر وتبقى زينا
حلقاتك برجالاتك
حلقة دهب في وداناتك
تكبر وتبقى زي خواتك
...
يا ملح دارنا كتر صبيانا
يا ملح دارنا كتر عيالنا
...
سموا المولود سعد الله
ويعيش ويجود سعد الله
...
الصلا عليه.. الصلا عليه
جبنا (اسم المولود) وفرحنا بيه
وفي حالة سبوع البنت:
يا دايه يا أم الصبيان
تستاهلي ضرب العصيان
يا دايه يا أم البنات
تستاهلي سكر نبات.

ثالثاً: أغنيات الطهور:

الختان أو (الطهارة) من الطقوس المتبعة منذ القدم، ولكن بدايتها الجذرية في التاريخ مجهولة، إلا أنها –كعادة ضرورية مقدسة عرفت منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام- توارثتها الشعوب السامية غالباً، واتحتفظت بملامحها الطقوسية، وبجذورها الأسطورية عبر أجيال وأجيال، وتهتم المجتمعات الشعبية باحتفالية الطهور ويعتبرونها الخطوة الأولى لإعداد المولود للزواج، ولذلك فغالباً ما يقومون بطهور المولود أثناء احتفالية زفاف أحد الأقارب للتيمن والتفاؤل، أو في أحد الأولياء تبركاً بهذا الولي، وفي الماضي القريب كان يقوم بعملية الطهارة (الحلاق)، وما زال هذا العرف جارياً في بعض القرى بالوجهين البحري والقبلي، وأحياناً تقوم الداية بعملية الطهور، لذلك نجد أن هناك أغنياتٍ عن هذا المزين:
دخل المزين بعدته الدهبية
حلف المزين ما ياخد إلا ميه

كما نجد أغنيات تتحدث عن قيام الدايات بعملية الطهور:
يا دايه إيده اليمين حنيها
وإيده الشمال في المحرمه لفيها
وإيده اليمين لما ييجي عمه
ويدي النقوط المزيكا يرضيها
يا فرحته قلبه لما تيجي خالته

تحط النقوط والعالمه تراضيها.. إلخ هذه الأغنيات التي تغنيها النساء للأطفال.

 


المراجع: 1. أمل جمال- أغاني الأطفال وتشكيل الهوية المصرية- الطفل والمستقبل (أبحاث المؤتمر الأول لثقافة الطفل)، هيئة قصور الثقافة- أبريل 2003.2. حسن محمد الإمام -الأغنية الشعبية- المهرجان الثاني لفنون طفل الصعيد- هيئة قصور الثقافة- إقليم وسط وجنوب الصعيد- 2001.3. عبده الزراع- استلهام الأغاني الشعبية.. وتوظيفها في شعر الأطفال- استلهام المأثور الشعبي والحفاظ على الهوية- أبحاث المؤتمر العلمي الثالث لأطلس المأثورات الشعبية (مجموعة باحثين)- الهيئة العامة لقصور الثقافة- أبريل 2003.

Video © MOCSaudi

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها