◄ إضاءة
الفنون التشكيلية، هي مجموعة الفنون التي تعتمد على التشكيل البصري للمواد، وتشمل الرسم، والنحت، والتصوير، والعمارة، وفنون الخط، والسيراميك، والفسيفساء، والمنسوجات، وفنون الوسائط المتعددة، الفيديو وغيرها.
كما توجد العديد من المدارس الفنية التشكيلية، منها المدرسة الكلاسيكية، والواقعية، والرومانسية، والتعبيرية، والتكعيبية، والتجريدية، والسريالية، والمستقبلية.
وبدأ فن الرسم قديماً، على جدران الكهوف، ومن ثم وصلت هذه التجربة الإنسانية في التسجيل والتوثيق إلى السودان النيلي في عهد مملكة كوش، الحضارة المروية على ضفاف النيل، التي اهتم المؤرخون بتسجيل إرثها وتاريخها على الصخور كتابةً ورسماً منحوتاً، وملوناً.. وكشف المؤرخون أنها من أقدم الحضارات على الأرض.
وعلى صعيد متصل، ظهر فن الفسيفساء مرتبطاً بالتلوين، وبالزخارف، حيث يمتد تاريخ فن الفسيفساء إلى ما قبل الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث نشأ هذا الفن في عدد من الحضارات، مثل السومريين في بلاد ما بين النهرين، والإغريق، والرومان، والبيزنطيين.. وصولا إلى الحضارة الإسلامية. ويعتقد بعض المؤرخين أن أقدم نقوش الفسيفساء وجدت في معابد بلاد ما بين النهرين، مصنوعة من الأحجار والأصداف والعاج.. وإبان الحضارة اليونانية طور الإغريق الفسيفساء التصويرية، ومن ثم تبنى الرومان التقنيات اليونانية، واستخدموا مواد مثل الحجر والسيراميك والزجاج، لتزيين الأرضيات والجدران.
شهد فن الفسيفساء تطوراً ملحوظاً، في فترة الحضارة البيزنطية واستخدم على نطاق واسع في الكنائس والمعابد، مع التركيز على الألوان الزاهية والتفاصيل الدقيقة. وقد تأثر فن الفسيفساء في العالم الإسلامي بالفن البيزنطي، وظهر في المساجد والأماكن العامة، مع إضافة عناصر جديدة كالرسم التشخيصي، والعناصر الزخرفية المعقدة. ويستخدم فن الفسيفساء لتزيين الجدران والأسقف والأرضيات، حيث ازدهر بشكل كبير في فترة الحضارة الإسلامية، وخاصة في تزيين المساجد والقصور، واستخدم لتجسيد الزخارف الهندسية والنباتية والآيات القرآنية، وما يميز فن الفسيفساء هو قدرته على الجمع بين الجمال والدقة والمتانة.
انطلاقاً من هذه الخلفية التاريخية للفنون التشكيلية عامة، وفن الفسيفساء خاصة..
أجرينا هذا الحوار مع رائد الفسيفساء في السودان، الفنان الموهوب أبوبكر الشريف، والذي تُشكّل تجربته الخاصة امتداداً للمدرسة الواقعية التي نهل من معينها الذي لا ينضب.

الفنان التشكيلي أبوبكر مصطفى الشريف من مواليد 3 مايو 1972 في مدينة (الكدرو) شمال الخرطوم بحري، وهي أحد أضلع العاصمة المثلثة: (الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري في السودان)، ويقيم حالياً بدولة الإمارات، دائم الإطلالة بفنه في المعارض والورش الفنية.
نشأ الفنان أبوبكر وتربى في مدينة الكدرو، الجميلة والملهمة للشعراء، والفنانين في كافة ضروب الفنون الإبداعية، تلك البقعة الخضراء التي تحيط بها المزارع والحدائق الغناء من كل جهة.
حيث كانت بداية عمله في مجال الفسيفساء، كعمل احترافي في المملكة العربية السعودية عام 2004، وفي عام 2007 نفذ جدارية فسيفساء مع الفنان عادل كبيدة، وبعدها استمرت تجاربه الخاصة حتى عام 2010، حيث بدأ التلوين على الزجاج وكذلك الفسيفساء. وفي عام 2013 احترف العمل في مجال الفسيفساء مع الفنان سعد روماني في مصر الذي كان له تأثير واضح على مسيرته الفنية في الفسيفساء ودرس على يديه عدة كورسات، ثم قدمه إلى عالم الفسيسفاء من خلال مجموعات متخصصة في الفيسبوك، كما أقام أول معرض تشكيلي في الفسيفساء والزجاج في مركز راشد دياب بالخرطوم 2015.
⊙ متى بدأتْ تظهر موهبتك الفنية وبمَن تأثرت؟
منذ طفولتي الباكرة كنتُ أحب الرسم والخط، وإعادة التدوير لبعض الأشياء التي توجد في بيت الأسرة كمواد خام، فوجدت التشجيع من الأسرة وأهل الحي، فضلا عن الدعم والتشجيع المباشر من والدي الذي كان خطاطاً موهوباً وماهراً بالفطرة، وكذلك كانت والدتي تعمل في مجال الخياطة والتطريز.
ويستطرد -محدقاً طويلاً في الأفق- لذلك؛ فإن البيئة الفنية الخصبة، والتشجيع المستمر من الجيران وأهل الحي ساهم في تشكيل موهبتي الإبداعية.
⊙ كيف تطورت تجربتك الفنية وما مصادر الإلهام لديك؟
تفتحت موهبتي الفنية وتطورت تدريجياً، بالرغم من أنني لم أدرس مادة الفنون في جميع المراحل الدراسية قبل الجامعة، ولم يكن لدينا أساتذة لمادة الفنون في المرحلة الثانوية، ولكن دعم وتشجيع الأسرة دفعني للاستمرار، كما أن شغفي بأعمال إعادة التدوير جعلني أفكر في أي شيء قديم أجده، وكيف أستفيد منه لعمل آخر؟
هذا التوجه كان له الأثر الأكبر في حياتي العملية، وبدأت تظهر موهبتي في إعادة التدوير بشكل منتظم عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية، ثم تطورت إلى القيام بصناعة نماذج لبعض أثاث البيت السوداني.
وفي المرحلة الثانوية كنت أقوم بتلوين الفخار، وأبيعه لأهل الحي الذي أعيش فيه، والأسواق الشعبية في الأحياء وأساهم في توفير بعض احتياجاتي الشخصية.
⊙ حدثنا عن حكاية ولوجك لعالم الفسيفساء؟
بعد أن تخرجت من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية – جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في العام 2001، وجدت في مجتمع الكلية ضالتي واستفدت كثيراً من تجارب المبدعين الذين قابلتهم خارج مقار الكلية.
الفسيفساء مادة تدرس لطلاب قسم التلوين في كلية الفنون الآن، لكن في زماننا لم تكن تدرس كمادة منفصلة بل ضمن دراسة حزمة التلوين.
⊙ ما المعارض الإقليمية والعالمية التي شاركت فيها؟
شاركت في معرض تشكيلي عن الفسيفساء كأول انطلاقة ومشاركة لي خارج السودان في ملتقى الفسيفساء الثاني بالإسكندرية، ثم شاركت في ورشة رسم الوجوه بالفسيفساء بالإضافة إلى ورشة تصميم المجوهرات في القاهرة، ومهرجان الشباب الثاني عشر بالإسكندرية، ومهرجان السلام في تونس 2015، ومن خلاله تعرفت في المغرب العربي على الأستاذ أبو إبراهيم الدوقي الأب الروحي للفسيفساء، الذي استفدت منه كثيراً.
وعلى الصعيد العالمي، شاركت بأعمال عن بعد في ألمانيا والبرازيل، والأرجنتين، وذلك من خلال تنفيذ أعمال مشتركة مع فنانين من جميع أنحاء العالم بجزء من جدارية كبيرة بمشارة مجموعة من فناني العالم.
وعلى الصعيد المحلي نفذت الكثير من جداريات الفسيفساء الكبيرة بخامة السراميك والتي تميزت بها، وذلك لمعرفتي بالزجاج وكيفية قصه بسبب تشابه الخامة، واستخدمت نفس أدوات قص الزجاج في قص السراميك.
كما قدمت ورشة عمل عبارة عن جدارية كبيرة بمقاس 9 أمتار في مباني كلية الفنون بالخرطوم وشارك فيها عدد من الطلاب.
وبعد أن أنشأت مركز أبوبكر الشريف لفنون الفسيفساء وأعمال الزجاج، قمت بتدريس الطلاب المبتعثين من كلية الفنون الجميلة جامعة السودان، وكذلك طلاب كلية الفنون والتصميم جامعة النيلين.

كما شاركت في مهرجان الفسيفساء الدولي بتونس العاصمة عام 2019، ومن ثم مهرجان التسامح بمدينة نابُـل عام 2022.
كما قدمت ورش عمل للأطفال وأصحاب الهمم في المتحف الأثري بمدينة سوسة في تونس، ونفذت العديد من جداريات فسيفساء السراميك، واحدة لرجل البر والإحسان عمر عثمان، والثانية لعالم الآثار السويسري شارل بونيه الذي عمل في السودان لأكثر من خمسين عاماً.
نفذت كذلك جدارية الإمام الصادق المهدي، وجدارية أرض اعتصام القيادة العامة 2019 وجدارية الشهيدة ست النفور عام 2022، فضلا عن تلوين جداريات ولايات السودان بمقاس 375 متراً، مع قسم الخدمة المجتمعية لشركة سوداتيل عام 2023.
كما عملت جدارية أم النصر، والتي كانت تعبيراً عن انتصارات المنتخب المغربي، في لقطة تجمع اللاعب بوفال مع والدته، وكان هذا آخر أعمالي في السودان.
⊙ ماذا أضافت المعارض العالمية لأبي بكر الشريف؟
لقد أضافت لي المعارض العالمية الكثير، من خلال العمل المشترك مع علماء كبار في مجال الفنون والفسيفساء، واستفت كثيراً من خبراتهم الثرة.
⊙ هل أتيحت لك الفرصة للمشاركة في مهرجانات بالإمارات العربية المتحدة؟
وصلت إلى دولة الإمارات المضيافة، بعد أكثر من عام من حرب السودان.. وشاركت في عدة مهرجانات منها: مهرجان العين للكتاب نوفمبر 2024، ومهرجان الفن الأفريقي بالشارقة 2025، وبينالي جامعة عجمان يناير 2025.
⊙ ما مشاريعك الفنية القريبة؟
تمثل (جدارية الهوية الثقافية السودانية) أحد أحلامي ومشاريعي المستقبلية.. وهي اقتراح لتقديم ورشة جماعية للفنانين والموهوبين من مختلف الأعمار، تحمل عنوان مشروع ألوان السودان، وتنفذ كجدارية من الفسيفساء تعبر عن الهوية الثقافية السودانية.