العلاجُ بالقراءة!

بقلم: كايلان ماكمايكل

ترجمة: يسين المعيزي


يزداد اليوم بشكل ملحوظ عدد المعالجين النفسيين الذين أصبحوا "يصفون" قوائم كتب مخصصة لمرضاهم، بغية الكشف عن الاضطرابات النفسية أو التخفيف من حدتها، وفقاً لما أورده موقع dazeddigital.com البريطاني. هذا النوع من العلاج، المعروف بالعلاج بالقراءة، يوفر ملاذاً آمناً يتيح للأفراد الابتعاد عن ضغوط الأخبار المقلقة التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام.


على مر العصور، ظل الأدب بمثابة ملجأ روحي وعاطفي، سواء لمن يرغب في التعافي من صدمة الانفصال عن شخص ما، أو لمن يود استعادة الأمل عبر قراءة سيرة شخصية ملهمة. وتُعد الكتب، بمثابة علاج مثالي للهروب من تحديات الحياة اليومية، حيث يسعى العلاج بالقراءة إلى تسخير هذه القوة الفريدة لتحقيق الشفاء النفسي. وكما توحي بذلك تسميته: (بيبليوثيرابيbibliothérapie (، يعتمد هذا العلاج على الروايات والأعمال الأدبية لدعم المرضى الذين يواجهون تحديات تتعلق بالصحة العقلية والتوازن النفسي.

وإذا كانت الكتب قد ظلت تُلهم القراء منذ اختراع الطباعة؛ فإن مصطلح "العلاج بالقراءة" لم يظهر إلى الوجود إلا في عام 1916، وكان ذلك في الولايات المتحدة. حيث تضمنه مقال ساخر نُشر في مجلة. The atlantic monthly في هذا المقال، يناقش الكاتب صامويل ماككورد كروذرز مع صديقه "الدكتور باغستر" هذا النهج العلاجي الجديد. حيث يقول باغستر: "الكتاب قد يكون محفزًا أو مهدئًا، وقد يثير لديك مزاجًا سيئًا أو يسبب لك الملل. المهم هو فهم نوع التأثير الذي يمارسه الكتاب عليك". ويضيف أن الشخص "متوسط العمر" الذي يعيش براحة نسبية ولديه "آراء جامدة" يحتاج إلى قراءة المزيد من الروايات. [على الرغم من مرور أكثر من قرن على هذا المقال، تظل هذه النصيحة صالحة حتى اليوم].

العثور على المعنى:

يبدأ هذا العلاج الحديث بزيارة معالج متخصص، أو "طبيب كتب"، لمناقشة أهدافك وتحدياتك. خلال هذه الجلسات، يصمم المعالج "وصفة كتب" مخصصة، تساعدك على فهم مشاعرك بشكل أعمق والتعامل معها بفعالية أكبر. كل كتاب موصوف يهدف إلى تمكين المريض من التعبير عن مشاعره وأخذ مسافة منها واكتشاف إمكانيات جديدة. الهدف الأسمى هو منح القارئ مواساة عاطفية تمكنه من مواجهة لحظات الحياة الصعبة التي قد تبدو كحمل ثقيل.

تشتغل إيلا بيرثود كمعالجة بالكتب منذ عام 2007. وهي تنظم دورات تدريبية وتقدم جلسات فردية، وتصف عملها بأنه "فن اختيار الكتاب المثالي للشخص المناسب في اللحظة المناسبة". تؤمن إيلا بأن الأدب يخفف من القلق، الاكتئاب، بل وحتى القلق البيئي، ويساعد على تخطي بعض التحديات مثل الطلاق أو الدخول في مرحلة الأمومة. وعلى الرغم من أنها قد توصي بكتب غير تخييلية في بعض الأحيان، إلا أنها تفضل الروايات لقدرتها على إيقاظ اللاوعي وإحداث تحول داخلي عميق.

ومع ذلك، تؤكد إيلا أن المرضى الذين يمرون بمحنة، مثل فقدان عزيز، قد لا يرغبون دائماً في قراءة قصص تعكس تجربتهم. "أحيانًا، يبحث من فقدوا أحبابهم عن قصص تحكي عن شخصيات تتغلب على حزنها، لكنهم في كثير من الأحيان، يودون الهروب إلى عوالم أخرى أو التفكير في شيء مختلف تماماً"، توضح إيلا. لذلك، يتطلب العلاج بالقراءة حساسية فائقة لتلبية احتياجات كل مريض على حدة.

ولضمان اختيار الجرعة المناسبة، يطلب المعالج عادةً من المريض ملء استبيان يكشف عن تفضيلاته الأدبية. يحدد المريض نوع الأدب الذي يميل إليه، مما يساعد المعالج على صياغة وصفة دقيقة. بالنسبة لإيلا فإن هذا العمل يجمع بين الحدس والتعاون، حيث تُصمم كل جلسة لفهم حالة المريض بعمق وتقديم وصفة فريدة له. وبصفتها قارئة نهمة، تلتهم ثلاثة كتب في كل أسبوع؛ فإن إيلا تمتلك مخزونًا لا ينضب من الأفكار لاختيار الكتاب المثالي.

إميلي رامبل، معالجة نفسية وخبيرة في العلاج بالقراءة مختصة في الأدب المرتبط بتصفية الاستعمار، تلفت الانتباه إلى كون هذا النهج منخفض الكلفة ومتاحا أمام الجميع. "كل ما تحتاجه هو زيارة مكتبة الحي لتجد بصيص أمل أو تتعلم كيف تضع نفسك مكان الآخرين"، تقول إميلي -وهي تؤمن بأن القراءة– سواء انصبت حول الروايات، أو السير الذاتية، أو الشعر، أو كتب التنمية البشرية– تساعد على إدارة العواطف وإعادة تفسير التجارب من زوايا جديدة.

"يتعلق الأمر أساساً بالاستفادة من هذه الروايات لإيجاد طريق للشفاء والتطور، وهي ممارسة متجذرة في ثقافتنا منذ قرون. في لحظات الفرح كما في الشدائد، يتيح لنا الأدب أن نشعر بإنسانيتنا، وأن نفهم بشكل أفضل الكيفية التي تشتغل بها ذواتنا وذوات الآخرين، وتعيد إلينا الأمل".

في الواقع، منذ العصور القديمة، ظل الأدب بمثابة دليل روحي وأخلاقي. حيث كانت حوارات أفلاطون أو تعاليم سقراط تهدف إلى صقل الشخصية وفتح أعين الناس على العالم. لذا، فإن العلاج بالقراءة ما هو إلا امتداد لهذه التقاليد العريقة.

مستندة إلى خبرتها، قامت إيميلي رمبل مؤخراً بنشر كتاب Bibliotherapy in the Bronx"" العلاج بالكتب في البرونكس" في 29 أبريل 2025. الكتاب يستكشف قوة الأدب كمحفز للتغيير، خاصة في المجتمعات المهمشة، وهي حقيقة شهدتها المعالجة خلال أربعة عشر عامًا من الممارسة. هذا العمل المرجعي الذي يتوجه للمعالجين والمعلمين والقراء العاديين على حد السواء، يقدم طرقًا عملية لجعل القراءة علاجًا شافيًا.

تناضل إميلي من أجل إدماج الفنون الإبداعية في العلاج النفسي التقليدي. وهي مقتنعة بأن أي شكل من أشكال التعبير الفني يساعدنا على إعادة التمحور حول ذواتنا ويدفعنا للاهتداء إلى صوتنا وجعله مسموعًا. "الفروع الفنية التي تعزز التعبير الذاتي أظهرت بأنها تقلل من التوتر لدى ممارسيها. إنها وسيلة أخرى لإعادة الارتباط بالذات دون الحاجة إلى إنفاق ثروة".

السلوى والإلهام:

لوسي بيرسون، صحفية ومعالجة بالكتب، تساعد مرضاها من خلال منصتها The Literary Edit في العثور على كتب تتناسب مع احتياجاتهم أو مراحل حياتهم. "العلاج بالقراءة يمنح السلوى والصفاء، والإلهام"، تقول لوسي. "إنه يخفف القلق، ويساعد على الابتعاد عن المشاكل، ويعيد متعة القراءة إلى الحياة".

تعتبر لوسي نفسها "مستشارة أدبية". وبالإضافة إلى ما تقدمه من توجيهات، فهي تساعد مرضاها على بناء عادة القراءة من خلال نصائح عملية، تستهدف إدماج الكتاب في الحياة اليومية.

لكن ما يجذبها كثيرًا إلى هذه الممارسة هو العلاقة الفريدة التي تسمح بنسجها بين الكتاب والقارئ. "بالنسبة لي، يتعلق الأمر بمشاركة سحر القراءة ومساعدة الآخرين على إيجاد ما يبحثون عنه في صفحات الكتب، والعثور على القصة أو الكتابة التي يمكن أن تؤثر في القارئ، وتهديه إلى طريق الخلاص في اللحظة التي يكون فيها أكثر احتياجًا لذلك".


 

لقراءة المقال الأصلي ▾ انقر هنا

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها