وَلِيلي المغربية.. تاريخ وتراث

د. أحمد سوالم


وَلِيلي أحد المراكز الحضرية الأساسية في المغرب القديم.. وهي حاضرة مورية رومانية إسلامية، تاريخها ضارب في القدم. أكسبها موقعها الاستراتيجي على تخوم موريتانيا الطنجية بمحاذاة مرتفعات الأطلس على سفح جبل زرهون أهمية في تاريخ المغرب القديم، وتشهد على ذلك مآثرها العمرانية التي ما تزال شاهدة إلى اليوم على عمق اقتصادي وحضاري عرفته المدينة.



وَلِيلي.. مركز اقتصادي قديم

عرفت وَلِيلي ازدهاراً اقتصادياً، بفضل مواردها الاقتصادية وحيوية سكانها وديناميتهم، والامتيازات الاقتصادية التي كانت تتمتع بها كإعفاء سكانها من دفع الضرائب لخزينة روما لأمد عشر سنوات، ما جعلها تنخرط في شبكة التبادل التجاري في المغرب القديم.

ومن الأنشطة الاقتصادية التي عرفتها المدينة، النشاط الفلاحي حيث ساعدها موقعها الجغرافي على سفح جبل زرهون، حيث التربة الغنية الصالحة للزراعة، ووفرة الموارد المائية (وديان ومنابع مياه...) على انتشار زراعة الحبوب التي غطت الجزء الأكبر من مجالها الحيوي، وهو ما يفسر انتشار المخابز بالمدينة حيث تم جرد 16 مخبزة إلى حدود أواخر تسعينيات القرن الماضي، منها أربعة مكتملة، وحوالي 20 قطعة متفرقة على كل أطراف الموقع الأثري، وأفضل المخابز صيانة بالموقع الموجودة بالفوروم الموري بالقرب من منزل بالجزء العلوي للتمثال البرونزي، ومنزل "فيلافيوس".

ومن الأنشطة الفلاحية التي انتشرت كذلك في وليلي، غرس الأشجار المثمرة خصوصاً أشجار الزيتون المنتشرة بكثافة، فقد تم اكتشاف 70 معصرة للزيتون لحد الآن، موزعة على كافة أنحاء الموقع الأثري التي خضعت للتنقيب، فوجودها بأغلب المنازل الكبيرة يدل على أهمية زيت الزيتون كثروة اقتصادية لدى ساكنة وليلي، والتي تم تسويقها خارجها، ويؤكد ذلك إنتاج الجرار الخاصة بنقلها منذ أواخر القرن الثاني قبل الميلاد.
 

البنية الاجتماعية لمدينة وَلِيلي الرومانية

تميزت البنية الاجتماعية لمدينة وليلي الرومانية بتنوع طبقاتها، وقد قسمها عبد الرزاق العسري - أستاذ التاريخ القديم بكلية الآداب بالمحمدية بالمغرب- إلى1:
– النخبة الحضرية: الفئة التي تضم نبلاء المستلحقة، وقد يفهم أن السلطة المحلية لم تكن موزعة ما بين أثرياء ساكنة وليلي بشكل متساو.
– الحكام المحليون: هناك أربعة نماذج من الحكام بوليلي: الديكريونة- الأيديلة- الدومفيرة- الشوفيط.
– الكهنة: تتوفر وليلي على هيئة كهنوتية، مشكلة من القضاة المحليين الذين يتمتعون بدرجة هامة داخل المجتمع.
– الأحرار والعبيد: تفيد النقائش أن السواد الأعظم من ساكنة وليلي، مشكل من العبيد والمعتقين خاصة في مجتمع العهد الإمبراطوري.
– عامة المدينة: هم الأحرار الفقراء كانوا مواطنين أم مهاجرين، وهذه الفئة الاجتماعية مقسمة لشريحتين شريحة مدنية وأخرى عسكرية.
– الأجانب: كانت المدينة تستقطب العديد من الأجانب، خصوصاً الرحالة الوافدين على المدينة من أماكن بعيدة (تجار، ورجال أعمال، وكذلك الجند..).

آثار وأطلال عمرانية.. تحكي قصة مدينة  وَلِيلي

انفردت كل مدينة من مدن المغرب القديم بخاصية مميزة على مستوى عمرانها، فناصة عرفت بمدينة الحمامات، وليكسوس بمدينة المسرح المدرج، بينما وليلي تميزت عمرانياً بكونها مدينة المؤسسات العمومية بامتياز.
وقد تطورت وليلي على المستوى العمراني منذ القرن الثاني الميلادي، حيث تم تسويرها سنة 168م، واستكملت منشآتها العمومية، ومن أهم معالمها نذكر:

1 - المباني العمومية

– الفوروم: أو الساحة العمومية والإدارية لبلدية وليلي، يمتد على مساحة 1300 متر بلطت أرضيتها بأحجار كبيرة، وتتخلل فضاؤه قواعد كانت تحمل تماثيل مهداة للآلهة والأعيان.
– قوس النصر: يشغل أهم جزء داخل المدينة غير بعيد عن الفوروم، شيده سكان وليلي خلال النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، وبالضبط سنة 217م، على شرف الإمبراطور الروماني كراكلا (توجد نقيشة2 تؤرخ لذلك). وأرجع بعض الباحثين سبب هذا الاعتراف لتعميمه المواطنة الرومانية على أحرار إمبراطوريته، وبشتى الأقاليم التابعة له، بينما أرجع آخرون سبب ذلك إلى العفو الذي شمل به ساكنة موريتانيا الطنجية، مما تبقى من ضرائب عينية في ذمتهم لصالح خزينة روما.
– الكابيطول: المعبد الرسمي الخاص بالثالوث الإلهي جوبتير ويونو ومينرف، يرجع بعض الباحثين بناءه إلى فترة كركلا أو بالأحرى ماكرونوس3.
– البازليكا: أو قصر العدالة، وهو مكون من أروقة ثلاثة محاطة بأعمدة تحمل تيجاناً.

2- الأحياء السكنية

– الحي الجنوبي: به وحدات سكنية تعكس تصاميمها بساطة سكانها، ويضم كذلك منزل "أورفيوس"، الذي يضاهي في جماله وبهائه وتصميمه وزخرفته منازل الحي الشمالي.
– الحي الشمالي الشرقي: يضم مبان شيدت ابتداءً من القرن الأول الميلادي، تتميز بتصاميمها وزخارفها الغنية، تتوسط أغلب منازله باحة مفتوحة محاطة بأروقة معمدة، وتحتوي وتزين أرضياتها لوحات فسيفسائية4.
– الحي الغربي: يمتد على مساحة 18 كيلومتراً، كشفت الحفريات عن وجود منازل رومانية به، وحمام يعود للفترة الإدريسية، وبنايات تعود للفترة الإسلامية.

وَلِيلي تراث عالمي.. لم تكشف عن جميع أسرارها

مكنت أولى الحفريات والأبحاث الأركيولوجية التي عرفها موقع وليلي الأثري في 25 ماي 1915، والتي شملت معابد الفوروم والكابيطول، والمعبد المشار إليه بالحرف اللاتيني (B)، من الكشف عن أهم معالمه العمرانية.. جزء منها معروض في المتحف الإثنوغرافي الموجود بالموقع، ما جعله يصنف تراثاً عالمياً من طرف منظمة اليونسكو في السادس من دجنبر 1997، إلا أن الأكيد أن وليلي لم تكشف عن جميع أسرارها ومعالمها، خصوصاً ما يتعلق بالفترة الإسلامية، حيث إن 25% من المدينة مطمورة تحت التراب، تنتظر جهود علماء الآثار والأركيولوجيا للقيام بحفريات، لكشف أسرارها من أجل إضاءة جوانب جديدة من تاريخ المغرب القديم، وتنوع وعمق وثراء حضارته لتعزيز الجاذبية السياحية للموقع.


المراجع المعتمدة:
• عبد الرزاق العسري، أبحاث حول المآثر النذرية والمأتمية لموقع وليلي على العهد الروماني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، سلسلة الرسائل والأطروحات رقم: 14، 2017.
• المتحف الإثنوغرافي المتواجد بالموقع : البطاقات التعريفية.
الإحالات: 1. راجع عبد الرزاق العسري، أبحاث حول المآثر النذرية والمأتمية لموقع وليلي على العهد الروماني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، سلسلة الرسائل والأطروحات رقم: 14، 2017، ص: 273-260. | 2. النقيشة: نص مكتوب باللاتينية أو غيرها من اللغات على دعامة من حجر أو رخام أو برونز، ويتضمن النص مواضيع تهم شتى المجالات. | 3. عبد الرزاق العسري، مرجع سابق، ص: 99. | 4. الفسيفساء: تتكون من حجارة صغيرة لا تتجاوز في الغالب سنتيمر واحد، تضم ببعضها البعض فتشكل مواضيع مستوحاة من الحياة اليومية ومن الأساطير، ومنها ما هو على شكل هندسي أونباتي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها