نَصونُ التراث.. نحفظ الهُوية

قراءة في كتاب "حصن الشارقة"

هشام أزكيض



أصدر الدكتور مني بونعامة كتاباً بعنوان "حصن الشارقة" قرنان من التاريخ 1823-2023، ضمن سلسلة معالم تراثية (الحصون) عن معهد الشارقة للتراث، وقد جاء في 92 صفحة، واللافت أن هذا المؤلف يهتم بدراسة التراث الإماراتي. وفي بدايته أشار رئيس معهد الشارقة للتراث الدكتور عبد العزيز المسلم تحت عنوان "من هنا نبدأ..." إلى أن هذا الكتاب يدخل ضمن الإصدارات النوعية التي يختارها بعناية ليقدمها للقارئ سعياً إلى رسم طريق واضح للثقافة الشعبية. وهذه الإصدارات -حسب رئيس معهد الشارقة للتراث- "ديدنها الثقافة، وفحواها المعارف التقليدية، وميزتها الولوج إلى القلب دون تكلف أوتهجم" سعياً إلى صون التراث، وترسيخ مبادئ الهوية الوطنية، وهذا لا يخالف شعار معهد الشارقة للتراث (نصون التراث... نحفظ الهوية).


هذا، وقد أوضح الدكتور مني بونعامة تحت عنوان "التراث الثقافي في الشارقة" أن للتراث الثقافي في إمارة الشارقة مكانة سامية، ومنزلة عالية تتجلى في العناية الكبيرة، والاهتمام الواسع من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة حفظه الله ورعاه بهذا المجال المهم، ويعود ذلك الاهتمام، وتلك العناية إلى فترات مبكرة من حياة سموه كشفت عن وعي عميق وعريق بالتراث، صوناً وحفظاً وإحياء وتأهيلًا، لذا وضع قانوناً يجب تطبيقه، ومنهجاً سامياً ينبغي اتخاذه، ومنهلًا عذباً لأسس القيادة الرشيدة، يمدها بالحكمة الصائبة والرأي السديد، وعليه حدد قانون الآثار في إمارة الشارقة، القانون رقم 1 لسنة 1992 الإطار التشريعي الشامل لتنظيم آثار الشارقة وتراثها، وحمايتها من الضياع والاندثار، وتنظيم عملية المحافظة والصون والتنقيب.

يدخل كتاب "حصن الشارقة" ضمن سلسلة مستحدثة، سيعمل من خلالها الدكتور مني بونعامة على تقديم معالم الشارقة وشواهدها القديمة للإسهام في تعريفه بتاريخ الإمارة وتراثها. وهذه السلسلة ستكون مقسمة إلى أجزاء، جزء خاص بالمباني الدفاعية كالحصون "حصن الشارقة"، و"حصن الذيد"، و"حصن خورفكان"، و"حصن خور كلباء"، وآخر خاص بالمباني المدنية كالبيوت التراثية "البيت الغربي، وبيت السركال، ومجلس المدفع. إضافة إلى الأسواق الشعبية (العرصة، والشناصية، وصقر، والتمر، وشرق، والمساجد التراثية).

العمارة الدفاعية:

تحت عنوان "العمارة الدفاعية" نبه الباحث بونعامة إلى وجود عدد كبير من العمائر الدفاعية، تضافرت عوامل عدة دعت إلى إنشاء هذا النوع من العمارة، وعلى رأسها متطلبات الأمن والحماية. وهذا ما دفعه إلى دراسة ما يسمى بـ"الحصون" وأهميتها والغاية من إنشائها تاريخياً. وهكذا عمل على تسليط الضوء على حصن الشارقة الذي يقع في منطقة قلب الشارقة، وهو أكبر وأهم مبنى في الإمارة، وكان مقراً لحكومة الشارقة، وسكناً لعائلة القواسم الحاكمة، وهو كذلك من معالم الشارقة التاريخية وصروحها الأثرية.

كما تطرق المؤلف إلى "مكونات الحصن"، حيث يرى أن الحصن يتكون من طابقين مع مساحة داخلية كبيرة في الوسط، وله أربعة أركان مهمة... وخصص حيزاً مهماً لدراسة وظائف الحصن، وهي في مجملها "وظائف أمنية، وظائف إدارية، وظائف اجتماعية، وظائف ثقافية، وظائف أسرية...".

ثم بعد ذلك، أثار المؤلف بونعامة قضية "هدم الحصن"، وهي تحيل إلى بواكير عناية واهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة بالتراث، كما وضح بعض الأمور المتعلقة بـ"الترميم والصون"؛ حيث ذكر المواد الأولية للبناء، وهي ليست محلية بالكامل، وعمد بونعامة هنا إلى التوقف عند مراحل عمليات الترميم.

أثناء تناول المؤلف "متحف الحصن" أكد منذ البداية إلى أن حصن الشارقة اليوم يستخدم متحفاً تاريخياً، ويتيح فرصة للزائر للاطلاع على التاريخ الحديث لإمارة الشارقة، والعائلة الحاكمة، وتاريخ المبنى، وطرائق الدفاع، وإدارة الحكم، وطبائع الحياة اليومية في الإمارة قبل نحو مائتي عام.

لائحة التراث في العالم الإسلامي:

في آخر هذا الكتاب، وتحت عنوان "لائحة التراث في العالم الإسلامي"؛ بين بونعامة أن موقع قلب وحصن الشارقة أول موقع في دولة الإمارات العربية المتحدة يدرج في لائحة التراث في العالم الإسلامي (الإيسيسكو)، وهي لائحة ذات أهمية متوازية مع قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، ومكانة دولية عريقة تعنى بحماية التراث الثقافي، والتراث الطبيعي في العالم الإسلامي، ويضفي إدراج مواقع التراث الثقافي المادي على القوائم الدولية قيمة عالمية على الدول عند تسجيل مواقعها في مثل هذه اللوائح، وينعكس ذلك في تنشيط وتفعيل الميزات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لهذه المواقع على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، مما يؤدي إلى زيادة في النشاط السياحي، والعائدات الاقتصادية لهذه المواقع المسجلة.

الملاحظ أن هذا المؤلف يدخل ضمن إصدارات -معهد الشارقة، كما صرح عبد العزيز المسلم- والتي "تتركز على الكلمة في البحث والدراسة، ثم أدخلنا الرسومات التوضيحية والصور، لننتقل إلى كتب مصورة بالكامل، وإلى الأطالس والفهارس والموسوعات، هكذا نحن نحاول جهدنا الوصول إلى القارئ، وإغراءه بالثقافة الشعبية والتراث الثقافي، بالصورة التي يحبها، حتى يتعلق بها". ولا بد هنا أن نشير بأن كتاب "حصن الشارقة" لا يخرج عن دائرة صون التراث، أو كما قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة: "قادت الشارقة على مدى أعوام طويلة سلسلة من المشاريع الرائدة على مستوى رعاية التراث وحفظه، سواء على الصعيد المحلي أو العربي أو الدولي، فلم تتجاوز يوماً رسالة حُكماء الإنسانية العظماء التي قالوا فيها (إن الحكمة لا تمنح نفسها لمن يهمل الأسلاف)".

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها