"السارد وتوأم الروح" من التمثيل إلى الاصطناع

ملتقى الواقع والتخييل والهويات السردية

عبدالحق ميفراني


ينشغل كتاب "السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع"1 للناقد محمد الداهي، والحاصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها السادسة عشرة (2022)، بالحفر في المنطقة البينية و"التي تفصل بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل بالاحتكام إلى المواقع التي يشغلها الكاتب أو قرينه في المحكيات الذاتية". جزء مهم من هذا الحفر المعرفي، يسعى لمقاربة التجاذب بين طرفي "الروائي والسير ذاتي والتخييلي والواقعي، سعياً لتحديد أجناسي ممكن للخروج من منطقة الالتباس". يسعى الناقد محمد الداهي، وفق هذا المسعى النظري، إلى "توسيع مفهوم الهويات السردية"، ومعالجة التطابق المحتمل اعتماداً على المرجعيتين الشعرية والسيميائية.
 

ويندرج الكتاب ضمن مشروع نقدي مفتوح، انطلق من بلورة مجال "التخييل الذاتي Autofiction"، وسبق للناقد محمد الداهي أن قدم دراسات ضافية، نظرية وتطبيقية، أمست مرجعاص أساسياً في الدراسات النقدية المرتبطة بمجال السير ذاتي. غير أن ما أضفى خصوصية على كتاب "السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع"، هو سعيه البحث في المنطقة البينية، بأدوات ومفاهيم جديدة، في محاولة لرؤية "تراثنا السردي العربي" وموقعه ضمن النسق الأدبي والثقافي الكوني العام2، ضمن انشغال عميق، بما يسمه الناقد الداهي، بالخوض في "ألاعيب التصنع وأقنعة الاصطناع التي تستعملها الذات للتنكر، وإعادة تشكيل هويتها السردية".

ويمثل كتاب الناقد محمد الداهي مساراً تحولياً في تأمل تلك المنطقة المجهولة، والتي تفصل بين "ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل"، وضمن ما يسمه بـ"تحولات فكرية ونظرية ومنهجية (نظرية التلفظ، التداولية، نظرية التلقي). وهكذا، تدخلت الكثير من الوسائط والعلائق والتي سعت إلى (تقويض أطروحة القطيعة من أساسها". وبمقتضى ذلك، حصلت طفرات في الفكر الإنساني، وضمنه الفكر الأدبي؛ وانتقلت البشرية من التمثيل الذي يقوم على مبدأ "تكافؤ الدليل" مع الواقع إلى "الاصطناع" الذي ينطلق من النفي الجذري للدليل).

كتاب "السارد وتوأم الروح.." يقع في هذا المسار البحثي، محاولة إحداث "قطيعة" مع التصور التقليدي للتمثيل، بمزيد من الحفريات داخل هذه المنطقة الملتبسة، وتجاوز المنظور الأحادي، ويشير الناقد الداهي إلى مفهوم "المنطقة البينية"، وكيف انتبه فيليب لوجون إلى شروط "الميثاق السير ذاتي"75، وكشف إلى جانب السيرة الذاتية أشكالاً مجاورة (المذكرات، البورتريه...)، في حين ظل الخطاب النقدي العربي محصوراً، بأدوات ومناهج اشتغال ثابتة، ومرتبطاً بسياق السيرة الذاتية.

وتبدو الحاجة ماسة، إلى ضرورة موقعة كتاب "السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع" للناقد محمد الداهي، ضمن مسارات اشتغال نقدي انطلق من كتابه "شعرية السيرة الذهنية محاولة تأصيل" 1994، انتهاء بـ"متعة الإخفاق في المشروع التخييلي لعبدالله العروي" 2022. والتركيز هنا، على منطقة ملتبسة تطلعاً إلى استيعاب سماتها وهويتها السردية، في اعتماد على ما حققته الشعرية والسيميائيات، في أفق أن يكشف الناقد الداهي على الإبدالات "مابعد الحداثي"، حيث الأصوات المتعددة وصور المؤلف و"توأم روحه الملتبسة"، وهكذا يتلاشى الصوت المطابق. وينكشف هذا المعطى، ضمن تأرجح المحكيات بين حقائق (تاريخية، وذاتية، ومصطنعة)، وهو ما مهد الانتقال من تماثل الكاتب في المحكيات الذاتية إلى إبدال المشابهة، إلى إبدال المشابهة الفائقة.

لقد استطاع الكتاب أن يتوغل في "قارة مجهولة"، تضم الأدب الشخصي أو الخاص، وأيضاً ضمن توسيع مجال شعرية المحكيات الذاتية والأجناس التذكارية، وخصوصاً ما يسمه الناقد الداهي بـ"ملء فرجات التاريخ المنسي أو المغيب". وهو ما يسعف الكتاب العرب إلى استغوار جزء من الذاكرة المنسية، والالتفات إلى محكيات مشبعة بالتخييل، مما سيضفي أفقاً خاصاً للمتخيل السردي العربي وانفتاح "شعريات البوح" على أقانيم جديدة، تجاوزاً للقيود الأيديولوجية والسياسية وحتى الأخلاقية. ويمكننا هنا، الإشارة، للفظة "تسونامي المحكي الذاتي"، في إشارة لكتاب "أزمات الذاكرة – محكيات شخصية أو جماعية خلال الحرب العالمية الثانية" لسوزان روبان سليمان، وهو الكتاب الذي أسهم في "توسيع شعرية الذاكرة لملء ثقوبها، في أفق إيجاد نمط جديد للعيش المشترك، وإعادة "ترميم الذاكرة الجماعية".

ينطلق الناقد محمد الداهي، في كتابه "السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع"، من حقيقة مغيبة تؤشر على صعوبة أن يجد كاتب السيرة الذاتية تحقيق تماه مع ذاته، وإذا كانت الكتابة السير ذاتية ناقصة، فهي تبدو "أكثر تماسكاً واتساقاً واكتمالاً من الواقع الذي تخفي عظمته هشاشة غير محتملة". كما أن ما حققته كتابة السير ذاتية، عموماً، من "طفرات أصبح النقاد لا يولون أهمية للتطابق والصدق وقابلية التحقق، بل أضحوا يهتمون أكثر بطريقة تمثيل الحقيقة وتشخيصها.. واستطاعت الكتابة السير ذاتية –بفضل هذه التحولات- أن تستقطب الاهتمام بها، وترتقي من خطاب الحقيقة إلى خطاب الجمال"، والذي كان من قبل حكراً على الرواية.

إن الحالة البينية، الملتبسة، تمتد شساعتها بعمق ما تطرحه من أسئلة وتحديات منهجية ونظرية، وحتى التوقف عند "الحقيقة السردية" يرتبط أساساً مراعاة موقف المتلفظ وردة فعل المتلقي وطبيعة العلاقة التي تجمعهما، لا أن يتم الاحتكام إلى تصديق الوقائع وتكذيب الأحداث والنظر إلى تجربة المؤلف. إن هذا التوغل في أثر الأدب الشخصي، وتقارب السير ذاتي مع شروط ينحسر فيها التخييل للمراهنة على المعطيات المرجعية، يتطلب وضع معايير خاصة لتصنيف المحكيات الذاتية ذات المنحى السير ذاتي. إن ما يرتكز عليه كتاب الداهي، هو البحث في المنطقة الوسطى التي تفصل بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل، "بالاحتكام إلى المواقع التي يشغلها الكاتب أو قرينه.. والمقاصد التي يتوخى إيصالها إلى مخاطبه، والقدرات التأويلية التي يستخدمها في تحريك المؤشر.

اختار الناقد محمد الداهي أن يشتغل في كتابه "السارد وتوأم الروح"، على مثنى متنوع من المحكيات الذاتية، ممتد عبر أزمنة وفضاءات مختلفة. وما يتحكم في هذا الاختيار، ونتائجه، هو كيف يتداخل الواقعي والتخييلي في المحكيات الذاتية إلى أن يصلا درجة عالية من الالتباس والتهجين، وكيف تتشابك المحكيات الذاتية فيما بينها. ومن أجل هذه الغاية، اختار الناقد الداهي إلى توسيع مفهوم الهويات السردية، للتوقف عند الحالات التي تجعل الكاتب المجرد (أو الضمني أو الأنا الثانية) يتجلى في هيئات وصور مختلفة.

وقد أسهم الحفر في مناطق المحكيات الذاتية، إلى معاودة النظر في "تطابق الهويات السردية كما وردت في التصنيفات السردية (لوجون). وفق مقاربة استطاعت أن تعالج التطابق المحتمل، بين الكاتب الضمني أو القرين وصانعه (الكاتب الحقيقي) بمفاهيم سردية مختلفة تتوقف عند العلاقة بين حالة السارد الذاتي – الحكائي والمستويات الحكائية التي يتموقعان فيها والمسافة الجمالية التي تقرب بينهما. واعتماداً على المرجعتين الشعرية والسيميائية بيان المواقع التي يشغلها الكاتب المجرد في المحكيات الذاتية.

توقف أرسطو، في تمييزه بين الملفوظات الواقعية والملفوظات الخيالية، عند نقطة لم "يخض في إمكانات تشابك الطرفين النقيضين وتداخلهما"، ولم يخطر "بباله احتمال وجود منطقة تسعف على هجنتهما أو اختلاطهما". ويتوقف الناقد محمد الداهي عند اجتهادات دارسي السرد الحديث، في تجسيرهم الهوة بين التاريخي والتخييلي، فهذا هايدن وايت يعتبر "المحكيات التاريخية والروايات، باعتبارها صنائع لفظية، لا تتمايز فيما بينها" وهو ما دفعه إلى إدماج السرد التاريخي في الأدب (مجال التخييل بامتياز). كما سبق لبول ريكور أن ميز بين التخييل والتاريخ، وبين السرد والوقائع الماضية، لبيان دور التمثيل السردي في إعادة تشكيل الزمن بالاستناد إلى أدوات الفكر. لا يعير المؤرخ "أدنى أهمية لشعرية الذاكرة، ما يهمه بالدرجة الأولى هو التحقق.. بالمقابل يعتني الشعري بالاختلالات والاضطرابات الاستذكارية".

تسعى الشعرية إلى إبراز "كيف تتقاطع الذاكرتان المعرفية والتداولية في استحضار ما مضى"، ووفق هذا المسعى يحدد الناقد الحقيقة السردية من خلال المستويات الآتية: القصة المحكية، اعتقادات السارد، مزاعم السارد، اعتقادات المسرود له. وطبقاً للعينات المختارة (الفصل الأول من الكتاب)، وهي عينات متفاوتة في أدبيتها (مذكرات، رواية سيرية، سيرة ذاتية)، يخلص الناقد الداهي إلى السرد التاريخي، بمختلف تلويناته، لا يطمح إلى إحياء ما حدث بل إلى إعادة تركيبه في تسلسل استعادي. التأرجح الواضح يخضع إلى تموقع مفصلي، في المنطقة "المهجنة"، حيث يسود الالتباس بين ما هو واقعي وما هو تخييلي.

الفصل الثاني، من كتاب "السارد وتوأم الروح"، اعتمد عينات سيرذاتية تولدت عنها متغيرات جديدة تقاس بمعياريين، "احتمال الوقوع وقابلية التحقق" (جبرا إبراهيم جبرا، ستندال، عبدالغني أبو العزم، عبدالمجيد بن جلون)، في حين سعت أوراق عبدالله العروي إلى الالتزام "بميثاق الحقيقة المبرم مع القارئ، دون أن يفضي الأمر غلى وجود المشابهة بين الوقائع المروية والواقع". ونصل في القسم الثالث إلى المنطقة البينية، ويحددها الناقد الداهي، بـ"المنطقة الفاصلة بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل، وهي تمثل الحالة المثلى التي يتحقق فيها التوازن بين الطرفين المتناقضين. ووفق هذا التحديد، "تمثل الرواية السير ذاتية وامتدادها المنطقي التخييل الذاتي الصبغة الخطابية الجديدة منذ أن شيد أرسطو نسقه الشعري".

ضمن مقاربة التهجين، اختار كل من جيرار جينيت وفانصون كلونا، وسيرج دبروفسكي، وفيليب كاصباريني إلى "إضفاء الشرعية على التخييل الذاتي الذي "أصبح بموجبه الجنسان –اللذان يتداخلان إلى حد صعوبة التمييز بينهما- جنساً قائماً بذاته". إننا أمام كتابة "برزخية ملتبسة، يتشابك فيها الواقع والخيالي سعياً إلى خلق مسافة نقدية تجاه ذاته"، إن ما يعزز مساحات الشك والريبة، هو تلك "الفجوة السير ذاتية" والتي يعتبرها أرنو جونو "تعبيراً عن صدع أنطلوجي"، فيما يؤشر عنها الناقد الداهي، بـ"التداعيات التي ترتسم في الأفق صورة الذات المركبة أو المختلفة (هويتها السردية)". وبالعودة للعينات، يستخلص من بعض التجارب التخييلية الذاتية نزوع عبدالقادر الشاوي، أحد نماذج القسم الثالث، إلى "التخييل الذاتي السيري".

هذه المنطقة "الطائشة والملتبسة"، تتيح للكاتب حرية الحديث عن نفسه وعن الآخرين، وتصبح مساحات التخييل "بوحاً عما يجول في اللاشعور، ومنفذاً لتسريب الاستيهامات، وممارسة النقد على الذات"، والسعي إلى سد ثقوب الذاكرة وتأثيثها من جديد، حيث يواجه السارد (في كل تجربة تخييلية) قريناً يؤدي أدواراً مختلفة ويتقنع بأقنعة متعددة، هذا التوسط السردي يتوسل، من خلاله السارد، إلى إعادة تشكيل هويته السردية ومن ثم تتسع قاعدة "هامش المناورات التخييلية" (أعمال أحمد المديني). إن ظاهرة التهجين، التي تسم عينات المشاريع الذاتية على حدود منطقة الالتباس، تجعل النص لا يحتمل أن يكون روائياً وسير ذاتياً في الآن نفسه (أرنو شميت).

أحد تحديات كتاب الناقد محمد الداهي، يرتبط في العمق بمساحات تقعيد "استقلال التخييل الذاتي"، باعتباره جنساً قائماً بذاته في تجاوز لمقولة "الجمع بين جنسين، التخييل والسيرة الذاتية". ولعل اعتماد ظاهرة التهجين، و"التي تجسد حالة تواشج أمشاج الواقع والتخييل وتلاقحهما واندماجهما في منطقة بينية دون أن يفضي الأمر إلى جنس ثالث أو منطقة مستقلة"، يسعف إلى حد بعيد، في تأطير "التخييل الذاتي" ضمن الإبدالات الما بعد حداثي، وهو ما يستدعي مقاربته بأدوات ومفاهيم جديدة.

القرناء، توأم الروح وهم الأفضية الذين يسهرون على انفتاح أفق النص، حيث "خيوط الحقيقة الداخلية". إننا أمام تعاقد جديد، بين الكاتب والقارئ والواقع (بل كيف يعاد تمثيل الواقع بالسرد)، لقد أضحت الحقيقة مع التخييل الذاتي هشة ونسبية، والحاجة لـ"التقنع" السارد بأقنعة مختلفة (القرناء) قد تسعفه في استجماع خيوط الحقيقة، من وجهات نظر متعددة. خصوصاً أننا أصبحنا أمام جنس ثالث، يستدعي مقاربات بأدوات مختلفة، نظراً لطبيعة سماته وخصائصه (التشظي، اللاتمركز، التفكك، التعدد، الاصطناع، ألاعيب التخفي..). هذا الانتقال من "ميثاق الحقيقة بصوت الكاتب" إلى "اللاميثاق"، حيث لعبة "التخبئة أمام القارئ متوارية وراء الأنا التخييلي" (شميت).

الكثير من الأقانيم استأثرت باهتمام كتاب "السارد وتوأم الروح" للناقد محمد الداهي، ضمن استقصاء لأفضية المحكيات الذاتية. الكثير من القضايا المتشابكة، يجملها في (الزمن، الحقيقة، الواقع، صورة الكاتب)، ومدخلها الموقع "الذي يشغله قرين المؤلف أو قرناؤه في السرد. عملياً يستقصي الكتاب، أفقياً، مشكل التحقق الذي حفز الناقد الداهي، على إبراز طبيعة العلاقة المعقدة بين الكتابة والوجود، وبين نظامي الأشياء والكلمات. في حين، خاض الكتاب، عمودياً، في مواقع القرين. عملياً، تحضر "الحقيقة التاريخية" أكثر في عينات المحكيات الذاتية، التي تتماس مع السرد التاريخي وهو ما يفضي إلى توسيع شعرية الذاكرة لمعاودة النظر في كثير من الأحداث السابقة (ضمن سياق صحوة الذاكرة).

وارتباطاً بـ"الحقيقة الداخلية"، هناك عينية من السير الذاتية، التي تتماس مع السرد التاريخي وتتحالف معه في تقديم، ما يعبر عنه هايدن وايت، بـ"رؤية أعمق إلى التجربة الإنسانية عن الزمنية". في حين تشكل "الحقيقة المصطنعة"، المجال الخصب للمنطقة البينية، مسافة الاصطدام بين التخييل والواقع، في أفق إبدال حداثي يبرز سمات التخييل الذاتي للخروج من منطقة "الترميق". ولعل تنامي الوعي بـ"هشاشة سلطة السارد"، في مقابل بدلائه (أصوات قرنائه وأشباهه)، سمح بتقنع الكاتب بأقنعة متعددة، حيث يسند لقرنائه مهمة استرجاع حياته الشخصية. يلجأ الناقد الداهي إلى مبدأ "المتوالية المهيمنة" لتبيان الحقيقة، وضمنه تم الاهتداء، بمقتضى التحقق (مقولة سيميائية)، إلى وضع كل مؤلف "على حدة في الموضع الذي يناسبه بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل أو في المنطقة البينية التي يصل فيها التهجين إلى درجة عالية من التعقيد".

إن تقاطع المستويان (العمودي: مواقع القرين، والأفقي: مشكل التحقق وألاعيب الحقيقة)، في نقطة مركزية تخص العلاقة بالعالم، جعل الناقد محمد الداهي يسبر أغوار وأخاديد تجاذبات التخييل والواقع، ضمن حدود تتفادى التصنيف وتجعله يمارس النقد على منجز المحكيات الذاتية (ثلاثون مؤلفاً من السرد الشخصي)، في مواكبة لكيفيات تجاذب التخييل والواقع. لقد تم الانتقال عملياً، من إبدال المشابهة (علاقة التماثل بين الواقع وتمثيله)، إلى المشابهة الفائقة (حيث يحل المشبه محل المشبه به). وضمن هذا السعي النقدي الحثيث، أرسى الناقد الداهي مساراً مختلفاً لمعالم التحقق والمعالجة، والتي يشغلها القرين في المحكيات الذاتية، مستعيناً بجهات التحقق (الظاهر والكينونة ونقيضها)، لبيان كيف تجسدت ألاعيب الحقيقة في المربع السيميائي (الحقيقة والكذب والزيف والسر). ومن أجل ترسيخ هذا الوعي النقدي الجديد، تم استثمار بعض معالم التحقق لمعالجة المواقع "التي يشغلها القرين في المحكيات الذاتية، والتي تحتم عليه استخدام استراتيجيات خطابية محددة.

 


هوامش: 1. جل هوامش المقال من كتاب "السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع" محمد الداهي، المركز الثقافي للكتاب، ط: 1، 2021.┊2. سبق للناقد محمد الداهي أن ساهم في كتاب جماعي "تخوم التخييل الذاتي"، بدراسة موسومة بـ"منزلة التخييل الذاتي في الثقافة العربية"، ونشر الكتاب تحت إشراف أرنو جونو وإيزابيل غريل، ضمن المنشورات الجامعية لليون /2016.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها