الجوائز لا تصنع شاعراً.. لكنها مهمة في تاريخه!

حوار مع الشاعر أحمد سويلم 

حاوره: السيد حسين

✦  أبدى الشاعر المصري أحمد سويلم (المولود في بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، مصر سنة 1942) عدم قلقه على الشعر، مؤكداً أن الشعر موجود بقوة من خلال أصوات كثيرة متنوعة، وأن كل الأجناس الأدبية لها جمهورها العريض والواسع، مشيراً إلى أن الجمهور يتعاطى مع القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة أكثر من غيرهما.


✧  ويعد سويلم أبرز الشعراء في جمهورية مصر العربية، وقد حصل على العديد من الجوائز منها: "جائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب 1965-1966، كأس القباني 1967، جائزة الدولة التشجيعية 1989، الدكتوراه الفخرية من كاليفورنيا 1990، جائزة أندلسية للشعر 1997، جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2016".


✦  وقد أضاف سويلم في حواره: "إن الجائزة لا تصنع شاعراً، لكن لا بد أن تكون في تاريخه، وأنا حصلت عليها من هذه الزاوية".


 

بداية؛ ما الذي جاء بك إلى الشعر، ومن أغراك بالقصيدة؟

في البداية أعتقد أن كل مبدع لا بد أن تكون له جذور ثقافية تؤثر فيه وتؤثر في إبداعه دائماً، وأنا كان من حظي أني من مواليد مركز بيلا بمحافظة كفر الشيخ، وكان أبي أحد مشايخ الطرق الصوفية وهي الطريقة الأحمدية بالتحديد، وكان يقيم كل ليلة أربعاء حلقة في البيت، وكنت أشارك معهم في هذه الحلقات وأقرأ ما يسمى المنظومة الشعرية لابن الفارض وغيره من المتصوفة، وهذا أثر علي جداً لأني بدأت أقرأ في شعر التصوف، وكتاب ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة.. وهذه الكتب التراثية أثرت في كثيراً إلى جانب النشأة الريفية التي تعطينا ما يسمى ببراءة الدهشة والأحلام الخضراء وإلى الطفولة التي تتطلع لتحقيق الآمال، كل هذه الأمور أثرت فيَ إلى أن جئت القاهرة وأنا عمري 16 عاماً، وأضفت تجربة القاهرة إلى تجربة الريف.


حدثنا عن كتابك الصادر حديثاً تحت عنوان: "شعراء الحب الإلهي"؟ وما الذي أردت أن تقوله من خلاله؟

الكتاب صادر عن سلسلة "كتاب اليوم" ويتناول بالتفصيل قضية التصوف ومفاهيمه وأعلامه وألوانه المتعددة.. من الأشعار الكثيرة المثبوتة في كتب التراث، كما يستعرض الكتاب أشهر الشعراء المتصوفة ورحلاتهم مع الحب الإلهي، وغيرهم أيضاً.

وفي الحقيقة إن قضية التصوف لها فضاء واسع.. ومن ثم فإن آراء كثيرة ورؤى أكثر وصلت إلينا نثرية وشعرية.. وزادت الأمر غموضاً وصعوبةً.. لكن ذلك لم يصرفني عن المحاولة للوصول إلى رؤية أقرب ما تكون إلى الوضوح والمنطق والبساطة، ولا أزعم أنني أحطت بكل ما قيل من أشعار.. وقد حاول قبلي كثيرون إثبات هذه الأشعار، وأرجو من القارئ الكريم أن يقبل مني أشهر الشعراء المتصوفة، بالرغم من محاولتي أيضاً تقديم إلهامات بعض الشعراء الآخرين.. بقصد استكمال الصورة وتحقيق الهدف من الدراسة.

كيف ترى المشهد الشعري والثقافي المصري حالياً؟ وما تقييمك للحركة الشعرية في العقود الخيرة؟

دائماً؛ أي فن من الفنون يمر بمراحل مرتفعة ومنخفضة كأي فن من الفنون، وأرى أن الشعر الآن يمر بمرحلة مخاض بمعنى أن هناك تجارِب جديدةً جدّاً على التجرِبة الشعرية المصرية، وبشكل عام أتصور أنها قد تفرز أسماءً جيدة في القريب العاجل. أما الحركة الشعرية فهي في الحقيقية لم تتقهقر بسبب أن الشعر مرتبط بالشعور الإنساني، ولا تستطيع أن تنزع هذا الشعور من الإنسان لأنه كلما وجد هذا الشعور وجد الشعر، ولهذا أنا أتصور أن المزاعم التي تقول عصر الرواية والقصة والنثر وغيرها هي مزاعم مفتعلة؛ لأنه لا يمكن أن يقضي فن على فن آخر، والشعر هو الفن الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يلمس العالم ويراه ويشمه ويتحسسه.

لكل شاعر مفهومه الخاص للشعر، الذي يبلور من خلاله أسلوبه الخاص، وعليه، ما مفهومك الخاص للشعر؟ وكيف استفدت من التراث؟!

الشعر هو الفن الذي ينقل تجربة الشاعر الخاصة لكي يعيشها الآخرون وهذه التجربة لها جذور ثقافية ونفسية كبيرة جداً لدى الشاعر قد لا تتوفر عند كثير من المتلقين، ولهذا فالشاعر لا ينقل تجربته الخاصة فقط، ولكن ينقل تجربة إنسانية عامة يستطيع أن يتأثر بها كل متلق، ولهذا فالشعر فن إنساني بالدرجة الأولى، وهذا الذي يجعلنا إلى الآن نتذوق المتنبي وعنترة وامرؤ القيس وأبو العلاء المعري وأبو فراس الحمداني؛ لأنهم كانوا شعراء إنسانيين إلى حد كبير.

أما التراث فلدي قناعة أن التراث العربي فيه سلبيات وإيجابيات، ولا بد أن نفرز هذا التراث ونأخذ الإيجابيات ونستلهما ونعيد صياغتها مرة أخرى في ضوء العصر؛ لأن الحاضر لا يقوم وحده لكنه يقوم على قواعد وعلى تراث ثابت، ولا بد أن يكون هذا التراث إيجابياً، ولهذا عندما نستلهم التراث فإننا نستلهم المناطق المضيئة، المناطق التي تشع إنسانية والتي يمكن أن تنطبق على أي عصر من العصور، ونعزل تماماً السلبيات التي يمكن أن تجرنا إلى التخلف والبعد عن رؤية المستقبل.

ما الذي أردت أن تقوله في كتابك "مذكرات الفتى الشاعر"؟

الكتاب شبه سيرة ذاتية وليس سيرة ذاتية، وفي هذا الكتاب لقطات كثيرة من طفولتي، أردت أن أعرضها على القارئ وكذلك تجربتي في الحياة الثقافية، وتجربتي في القوات المسلحة المصرية وتجربتي في الشعر كفن، وتجربتي الإبداعية ثم تجربتي مع عمالقة الكتاب والمفكرين الذين تواصلت معهم، وكانت لي معهم مواقف مثل توفيق الحكيم ويحيي حقي، والعقاد، وأنيس منصور، وصلاح عبدالصبور وغيرهم، الذين كانت لهم معي مواقف وأردت أن أحكي تلك المواقف للقارئ، وكأنني أريد أن أقول: إنّ هناك تواصلاً بين الأجيال لا بد أن يحدث حتى تكتمل التجربة الإبداعية لأي مبدع. 

لك العديد من الأعمال! هل قال أحمد سويلم ما يريد قوله؟ أم ما زال لديك ما لم تقوله؟ وما ذا قدم جيل الستينيات للحركة الشعرية في مصر؟!

لا أستطيع القول أنني قلت كل شيء لأنني لو قلت ذلك لكنت صمت حالياً، لكن ما زال لدي الكثير الذي يمكن أن يضاف إلى هذه التجربة حتى آخر نفس من حياتي، أنا أكتب الشعر وأكتب المسرح الشعري، وأكتب للأطفال وأكتب دراسات حول الشعر، وأكتب دراسات نقدية وأقول دراسات لكي لا أدخل في معمعة النقد، وكل هذا في إطار الشعر والتراث كما ترى من عناوين أعمالي.

أما جيل الستينيات فقد قدم الكثير للحركة الشعرية في مصر؛ لأنه الجيل الذي عاش كل المراحل من ثورة يوليو 1952 إلى اليوم، هذه المعايشة لها تأثير كبير في وجدان المبدعين والأدباء من خلال هذه التحولات المختلفة، فهذا الجيل كان له دور مهم في تشكيل الوعي وتشكيل التجربة الإبداعية بكل ألوانها، من شعر أو قصة أو رواية أو مسرح أو موسيقى، أو أي فن من الفنون، لهذا فأنا أتصور أن هذا الجيل بتجربته الطويلة يعد من الأجيال التي يندر وجودها بهذه المسافة الطويلة من التاريخ.

من خلال تجربتك في المسرح لماذا نلاحظ تقهقر المسرح الشعري في السنوات الأخيرة؟

المسرح الشعري لم يتقهقر وهو فن صعب الكتابة لأنه يتطلب توازناً رقيقاً بين لغة الدراما ولغة الشعر، فلو انحاز الشاعر لأي من هاتين اللغتين جنى على اللغة الأخرى، ولهذا لا بد أن يمتلك الشاعر ناصية اللغة الشعرية وناصية لغة الدراما، ومن هنا جاءت الصعوبة ولهذا لا يوجد شعراء كثر يكتبون المسرح الشعري، وقليل جدّاً من الأجيال اللاحقة من يستطيع أن يكتب هذا اللون من الكتابة... فهذا يعتمد على وجود الكوادر التي تحمل هذا الفن الجميل الذي يمكن أن يتجسد على خشبة المسرح، فالعيب ليس في المسرح لأن هناك نصوصاً موجودة ولكن، أين المخرج المثقف وأين الممثل المثقف، وأين أيضاً الجمهور الذي يرحب بهذا اللون من الفن والكتابة.

ألا ترى أن جمهور الشعر صار نخبة محدودة على حساب جمهور الفنون الأخرى؟

أنا أتصور أن الموضوع ليس في الشعر فقط ففي أي لون من الفنون عندما تعقد ندوة تجد عدداً قليلاً جدّاً من المشاركين، وربما ذلك لتراجع القراءة لدى الجماهير والشباب، ونجد الشباب حالياً لا يقرأ، والأمية بمظاهرها المختلفة سائدة في المجتمع، وأمام هذا التحول الصعب تقديره أتصور أن كل فن من الفنون حالياً هو فن النخبة للأسف الشديد.

ما الاستراتجية التي يجب أن تسلكها بيوت الشعر في الوطن العربي من أجل تسيير تداول الشعر وإشاعة الثقافة الشعرية بين الناس؟

أرى فعلاً أن بيوت الشعر لها دور مهم ولكن لا بد للإعلام أن يهتم بالإعلان عن هذه الندوات وأخبار الناس، كما يفعل مثلاً مع الفنانين أو لاعبي الكرة أو غيرهم ولماذا لا يكون بين هذه الأخبار الإعلان عن ندوة شعرية، ويكتب عنها حتى يكون لها جمهور بالفعل، ورواد لتلقي هذه الأشعار.

ما رأيك بالمبادرات التي تقام لدعم الشعر في الوطن العربي؟ وما سبب تراجع الشعر؟

نحن نشجع هذه المبادرات ونتمنى أن تكون شاملة تبحث في كل البلدان العربية عن المبدعين، وأن تكون لهم سنداً من أجل إكمال مسيرتهم الأدبية وتطويرها رغم أنها ما زالت محدودة. لا ليس هناك تراجع للشعر ولكن هناك تراجع لجمهور الشعر لأن الشعر لا يتراجع، والشعر ما زال ديوان العرب بشكل أو بآخر، والشعر له شعراؤه ورواده وتجربته أيضاً، لكن الاهتمام الإعلامي بالشعري ليس على المستوى المطلوب.

هل ترى أن شعراء اليوم في مصر والعالم العربي قادرون على وضع رؤية للمستقبل؟

الشاعر دائماً لا بد أن تكون له رؤية للمستقبل وإلا يتخلف أو لا يكون له موقع في خريطة الشعر، الشاعر يحلم وهذا الحلم هو المستقبل، الشاعر يجسد الحلم بشكل أو بآخر وبطريقته الخاصة هذا هو المستقبل، الشاعر أيضاً يتطلع ويتمنى ويأمل ويشكل الوعي، كل هذه الأمور لرسم المستقبل، فإذا تخلى الشاعر عن هذه المهمة فلا مكان له في خريطة الشعر.

هل ترى أن قصيدة النثر استطاعت أن تؤسس لنفسها حضوراً في المشهد الشعري؟

للأسف إلى اليوم لم تستطع قصيدة النثر هذه أن تؤسس لنفسها مقومات فنية كما هو موجود في قصيدة التفعيلة أو القصيدة العمودية، وأريد أن أؤكد أن هذا اللون من الكتابة بدأ في الستينيات حتى اليوم، ولكن هل هناك ملامح أستطيع أن أضع يدي عليها لأقول إن هذه الملامح خاصة بقصيدة النثر دون غيرها، لا أستطيع أن أجزم بهذه الحقيقة، لهذا أنا معترض فقط على مصطلح قصيدة نثر، لماذا قصيدة ولماذا نثر؟ إذا كنت أنت صاحب هذا اللون من الكتابة ترفض الشعر بشكل أو بآخر وسميه ما تشاء، أنا لست ضد الكتابة بأي شكل من الأشكال، ولكن ضد المصطلح فقط.

في بدايتك بدأت بكتابة الرواية ثم أخذت القصيدة بعد ذلك، لماذ؟ ثم، كيف ترى تحول العديد من الشعراء حالياً لكتابة الرواية؟

أنا أعتقد أن الشخص المبدع يكتب كل شيء وفي كل فن... يكتب الرواية والقصة والمسرح وغيرها، لكن يأتي يوم يحدد لنفسه المسار المناسب لموهبته، وأنا كتبت كل شيء لكنني انحزت انحيازاً كاملاً إلى الشعر. أما بخصوص تحول الشعراء فأنا أتصور أن الشاعر الذي يترك الشعر إلى الرواية إما أنه لا يستطيع أن يستمر شاعراً، وإما أنه يحاول أن يجد نفسه في مساحة أخرى من الإبداع.

الشاعر الفرنسي دوني روش، قال مرة بأن الشعر عاجز عن إحداث أي تغيير في الإنسان والعالم واعتزل الشعر، كيف تقرأ قوله هذا؟ ولماذا يكتب الشعراء إذن إذا كان ما ذهب إليه صحيح؟

الشعر رؤية وليس رأياً، وأنا لا أكتب لكي أنصح أو أعظ أو أقدم نصيحة معينة، ولكني أقدم رؤية تساعد الإنسان على ممارسة حياته وتوقظ فيه الوعي وتجعله دائماً يتطلع إلى المستقبل ويحلم، كل هذه الأمور لا يمكن أن تنتهي من الإنسانية. 

كيف تعيش في لحظات اللا شعر؟

أعيش في حالة اكتئاب وأنا بعيد عن الشعر؛ لأنها لحظات تتمنع فيها القصيدة، لذا؛ تكون لحظات صعبة جداً على الشاعر، وأنا أطوع هذه الحالة بمفهوم خاص: إنني أختزن حتى تهاجمني القصيدة.

هل هناك قصيدة سببت لك مشاكل؟

نعم هناك ديوان كان في عام 1973 اسمه "البحث عن الدائرة المجهولة" أوقفته الرقابة، واستطعتُ بعد مناقشة حامية أن أنقذه من براثنها 

حصدت العديد من الجوائز الأدبية فما الذي تعنيه الجائزة للشاعر؟ 

الجائزة لا تصنع شاعراً، لكن لا بد أن تكون في تاريخه، وأنا حصلت عليها من هذه الزاوية.

هل تعد الكتابة للطفل فناً قائماً بذاته؟

نعم، وليس كل كاتب كبير يستطيع أن يكتب للأطفال؛ لأن الكتابة للطفل أصعب كثيراً من الكتابة للكبار؛ لأنك أمام طفل صغير السن له كيان مختلف وتكوين مختلف عن الكبير، ولا بد أن تدرس سيكولوجيته النفسية واحتياجاته حتى تستطيع أن تشبع هذه الاحتياجات.

ما مواصفات الكتابة للطفل في زمن الفضائيات وأفلام الكرتون؟

في البداية فرادة الفكرة! إذا كانت الفكرة جديدة ومعاصرة وغير مكررة ورافقتها رسوم مدهشة وجميلة، فلا يستطيع أي برنامج كارتون أن يخطف الطفل من القصة. وأقول هذا من تجربتي ككاتب.

ألا تعتقد أن رؤية أطفال اليوم يقبلون على القراءة مسألة صعبة في زمن الآي باد والآي فون والبلاي ستيشن وغيرها؟

لا، لا أعتقد هذا، الطفل الذي يعيش في بيت تسيطر عليه الهوات الذكية والألواح الرقمية سيقلد بطريقة عفوية الأهل والمحيطين به، وبالمثل الطفل الذي ينشأ محاطاً بالكتب وبأهل يهتمون بالقراءة سيقرأ مثلهم وسيهتم بأن يمتلك كتباً خاصة به يقرأها ويعود إليها.

متى يجب أن يتوقف الشاعر عن النظم؟ 

حينما يموت. 

لو لم تكن شاعراً؟

لوددت أن أكون شاعراً. 
 


ما جديدك؟

لي أربعة كتب جديدة ديوان شعر اسمه: "رصاصات مشتعلة"، وكتاب عن شاعرات العشق العربي، وكتاب اسمه: "سياحة في أودية الشعر"، وكتاب عن "الأمراء الشعراء".

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها