وائل الجشي، شاعر وكاتب صحفي، مجاز في اللغة العربية وآدابها في جامعة بيروت العربية. انخرط في الصحافة الإماراتية منذ ما يقارب نصف قرن، وهو من مؤسسي الصحافة الثقافية والحركة الثقافية في دولة الإمارات، ورعاية المواهب الأدبية. صدرت له مجموعة شعرية مشتركة بعنوان "تنويعات على الأوتار الخمسة"، ومسرحية بعنوان "عاشق المجد"، ومجموعة مقالات بعنوان "فضاءات قلم". وله أيضًا مشاركات في الحقل الثقافي، وفي تحكيم عدد من الجوائز والمسابقات في الدولة، كما أشرف على الصفحة الثقافية في عدد من صحف الإمارات. رئيس تحرير مجلة البعد المفتوح حاليًا.
أنت من مؤسسي الصحافة الثقافية والحركة الثقافية في دولة الإمارات، وأشرفتَ على الصفحة الثقافية في عدد من صحف الإمارات، كيف تنظر إلى مستقبل الصحافة الثقافية ودورها في تطوير المشهد الثقافي في الإمارات؟
لا بد من أن أعرب في هذا الصدد عن عدم تخوفي على مستقبل الصحافة الثقافية في الإمارات العربية المتحدّة، فقد أولت دولة الإمارات منذ قيام الاتحاد وحتى اللحظة كل اهتمام ورعاية وعناية للقطاع الثقافي والصحفي والأدبي والتراثي والتاريخي...إلخ. ومن الإنصاف أيضًا الانتباه إلى أن في الصحافة الثقافية العربية أناسًا جادين مجتهدين في التعامل بموضوعية وحرفية تستحق الثناء.
في محطات حياتي في الصحافة الثقافية أثرت قضية الإشراف الثقافي من منطلق أن للمشرف الثقافي دورًا مسؤولًا يتعدى مجرد تسلم المساهمات ونشرها بلا تمحيص أو توجيه.
صدرت لك مجموعة شعرية مشتركة بعنوان "تنويعات على الأوتار الخمسة"، تحمل طابعًا موضوعيًا وشاعريًا في الوقت ذاته، ما الموضوعات والقضايا الرئيسة التي تتناولها قصائدك في هذه المجموعة الشعرية؟
حاولت التزام التناغم مع فكرة التنويع، فمن ذلك كانت قصيدة "ليلنا العربي"، وقصيدة "لم أقلها بعد" وطنية، وقصيدة "سيدتي المتصنعة" تصور نمطًا من النساء، وقصيدة "جليد الصمت" عاطفية وجدانية وهكذا.. وللتذكير شاركني في المجموعة الصادرة عام 1982 الشعراء د. شهاب غانم، وفوزي صالح، ود. قيس غانم، والمرحوم عبد المنعم عواد يوسف.
مسرحية "عاشق المجد" يتمحور موضوعها حول ابن خلدون هذا الفيلسوف الذي رأى العالم من مستويات كثيرة كلها موضوعية ذات بعد إنساني. ما السبب الذي دفعك إلى اختيار شخصية ابن خلدون كبطل لمسرحيتك "عاشق المجد"؟
ابن خلدون شخصية إشكالية أثارت الجدل بمواقفها وممارساتها في مسيرة حياته الحافلة والمؤثرة بحجم مناصبه، وقربه من أصحاب القرار، وكون تاريخ مسيرته مطروقًا والكتب فيها تملأ رفوف المكتبة العربية، رأيت أن أتناول الجانب الإنساني في شخصيته بلا تدخل مني فابتدعت شخصية الفتاة "مجد" لتحاكمه طارحة الاتهامات وأقوال الخصوم، وهو يدافع عن نفسه، وتركت للقارئ الخروج بالرأي الذي يريد.
وفي سياق الحديث صدرت هذه المسرحية عام 1994 في الشارقة، وبعدها بفترة وجيزة صدرت للكاتب المرحوم سعد الله ونوس مسرحية "منمنمات دمشقية"، وفيها فصل عن ابن خلدون يدينه فيه.
تنقلتَ منذ صباك بين أقطار عربية عدة هي لبنان التي وُلدت فيه، ثم قطر التي أكملت فيها دراستك الثانوية، فالسعودية التي درست بها فترة قصيرة، والإمارات التي عملت فيها على مدى عقود ولا تزال، كيف أثرت تجربة التنقل والعيش في مختلف البيئات العربية في مسارك الإبداعي والمهني؟
بالتأكيد للتنقل في البلدان ومعايشة المجتمعات على اختلافها تأثيره في ثقافة وتكوين الإنسان، وخاصة ذي الهاجس الإبداعي، ففي لبنان كان مهد طفولتي الأولى وسجلت انطباعي عنها في قصيدة عن مدرسة المدير أبي فريد التي انطلقت بعدها إلى قطر وعايشت أساتذة وطلابًا من جنسيات متعددة، وكنت لصيقًا بالمكتبة في مدرستي "الدوحة الثانوية"، وكانت تظهر بوادر الشاعرية لدي فنشرت قصيدة في مجلة المدرسة، وشاركت مرتين في أمسية شعرية مع أساتذتي ومعي الطالب الأكبر مني سنًا أحمد الصدّيق، وبعد تخرجي في جامعة بيروت العربية توجهت إلى السعودية في سلك التعليم، وبالطبع عايشت زملاء أساتذة سعوديين وغيرهم، فضلًا عن الطلاب والأهالي فاطلعت على ثقافة وعادات لها خصوصيتها، ثم خضت غمار الصحافة في الإمارات وتحديدًا في القسم السياسي لجريدة "الاتحاد" إلى جانب إشرافي على الصفحة الثقافية قي الجريدة، ولا يخفى ما لكل تلك التنقلات والمعايشات من تأثيرها في تكوين شخصيتي وثقاقتي وإثراء تجربتي.

ما أبرز المحطات في مسيرتك الإبداعية كشاعر وصحفي؟
في هذا الأمر تحديدًا أرى الأفضل أن يتحدث الآخرون عن ذلك، لكن أقول إن عملي في الساحة الثقافية في الإمارات، وبالذات في الصحافة االثقافية محطة مهمة في الصحافة والشعر، وهنا أرى أنه رغم ما يقال من أن الصحافة ضَرة الشعر؛ فإن لهذا الاحتكاك والمعايشة جانبًا إيجابيًا يتمثل في إثراء تجربة الشاعر وأفكاره.
كيف ترى مستقبل الشعر والصحافة في ظل التحولات التكنولوجية والرقمية المعاصرة؟
التطور سنّة الحياة، ولا شك في أن التحولات التكنولوجية والرقمية المعاصرة نعمة من نعم الخالق الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، لكن أرجو أن لا يحولها الإنسان إلى نقمة بإساءة استخدامها، ويجد الأدعياء والمتسلقون فرصتهم الأكبر بعد ما وفرته لهم مواقع التواصل الاجتماعي.
مجلة "البعد المفتوح" مجلة إلكترونية ترأس تحريرها، كيف تتعامل مع التحديات المهنية التي تواجهها كصحفي في ظل التطورات الإعلامية والتكنولوجية المتسارعة؟
شعوري بأن الصحافة تجري في دمي والشعر يتلاحم مع دواخلي جعلاني عندما خرجت من عالم الصحافة الورقية في مواجهة حقيقة أن الصحافة والمعلومة تتحول إلى إلكترونية مع اقتناعي بعد إلغاء الصحافة والطباعة الورقية تمامًا، وهنا سعيت لإصدار هذه المجلة لتكون متنفسًا لأفكاري ومنبرًا لمن يجد له فيها إمكان المشاركة.
الحديث عن التحديات أستطيع تحديده في صفة الصدق، التي أحرص عليها قدر استطاعتي وأركز في الدرجة الأولى على أن تكون للمجلة شخصيتها ومستواها الراقي في نظر القارئ الواعي، ومع أن الكمال لله سبحانه فأنا أسعى للأفضل وآخذ في الاعتبار ملاحظات الثقاة المخلصين.
كيف تقيّم دور الصحافة الثقافية في تعزيز الحركة الثقافية والفنية في دولة الإمارات خلال السنوات الماضية؟
المتابعة الصحفية للفعاليات أمر جيد لكونه جسر تواصل معرفي ووجداني بين الصحافة والجمهور، وهذه إيجابية مارستها الصحافة خلال السنوات الماضية، وتمارسها مع اختلاف الظروف ووسائل المتابعة، لكن على صعيد الكتابات والتعامل مع النتاج الإبداعي أرى أن الأمر يعتمد على كفاءة الصحفي الذي يتصدى للتعامل مع هذا النتاج بمعنى أن تكون للصحفي قدراته ومؤهلاته.
كيف تنظر إلى توجهات الجيل الجديد في ميدانَيِ الصحافة والإبداع؟
نظرًا لكوني ذا علاقة بالميدانين يمكنني التوجه إلى الجيل الجديد أولًا بنظرة تصالحية مع ما طرأ على عالمه من مستجدات تجعل من حقه أن ينظر إلى الأمور بما يتوافق مع التطور المتسارع والملموس، لكن أرى أن على هذا الجيل أن يدرك أنه امتداد للجيل الذي سبقه يفيد من تجاربه ورؤاه ولا أقول يتبعه تبعية عمياء، بل يوقن أنه امتداد له ويتمسك بالوفاء له ولعطائه على الصعيدين الصحفي والإبداعي.