سيد حجاب.. نجم الأغنية الشعرية الدرامية

د. عزيز بعزي


من مقتضيات تحقيق النجومية، التميز في مجال معين، وانتشار اسم المتميز جغرافياً خارج نطاق محيط بلدته، من خلال التأثير الجماهيري والإنتاج؛ ولذا فمن شروط تحقيق النجومية وجود الموهبة، أو مجال التميز؛ مما يجعل النجم من الأسماء التي تحسب في هذا المجال على مستوى جغرافي يتعدى المكان الذي يتواجد فيه، ولا غرو أن النجومية، من الموجهات التي تستقطب القارئ والمشاهد، والمتابع للشؤون الثقافية (أدب، فن، سينما...)، ولا يمكن أن نتجاوز هنا حجم التأثير الذي يشكله النجوم في الحياة العامة، ومن هنا يمكن أن نتحدث عن نجومية الفنان، والشاعر، والناقد، وكاتب القصة والرواية، وفي هذا السياق ارتأينا إلقاء الضوء على المنجز الشعري والفني لسيد حجاب، وهو أحد نجوم الشعر المصري.

 

ولد سيد حجاب بمدينة المطرية، بالدقهلية (مدينة صيادين صغيرة على ضفاف بحيرة المنزلة) بمصر عام 1940م. وهو نجم ثقافي استطاع أن يثبت قدرته على الإبداع والتجديد في الشعر العامي والأغنية الدرامية، كما استطاع أن يحقق شهرة فذة على الصعيد العربي والدولي. وما يؤكد ذلك بشكل جلي حصوله على جائزة كفافيس الدولية عن مجمل أعماله، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب بالمجلس الأعلى للثقافة –مصر- عام 2012م.

فسيد حجاب، واحد من أبناء الجيل الذي ينتمي إليه الشعراء عبد الرحمن الأبنودي، وعبد الرحيم منصور... أحمد فؤاد نجم، وغيرهم، والذين يعود إليهم الفضل في تطوير القصيدة العامية، مضاهية ما كانت عليه القصيدة الفصيحة، سواء تعلق الأمر ببنائها، أو صورها الشعرية.

من خلال إبداعه لـ"تترات" المسلسلات، على وجه التحديد، استطاع سيد حجاب التأثير في الوجدان العربي، فأصبحت تعادل قوة العمل الدرامي، وقد وصفه المؤلف الموسيقي "عمار الشريعي" بأنه أحد أكبر شعراء القرنين الـعشرين والـواحد والعشرين، حيث تمكن من إحداث "ثورة" في مجال الأغنية الدرامية، فأشعاره، لم يكن مبتغاها التلاعب بالألفاظ؛ وإنما تعبر عن هموم الإنسان بصدق، لذا استطاعت أن تدخل كل بيت عربي. فسيد حجاب يؤمن بالإنسانية، ويتخذ من الفطرة مرجعية في الحياة، حتى لتكاد تكون تجربته الشعرية كلها تبشير بالإنسانية، فهي السر في بقاء الإنسان حتى بعد موته، وبفقدانها تضيع الهوية غير المنفصلة عن سؤال الحقيقة، وهذا ما أفصح عنه بقوله: "أنا شاعر على باب الله والوطن والإنسانية؛ والله هو الحق.. والوطن هو الخير الذي لا بد أن نتقاسمه بعدالة.. والإنسانية هي الجمال والحسن كله".

فكيف حقق سيد حجاب تلك المنجزات الإبداعية- الشعرية المحققة لنجوميته وشهرته، والتي ظلت خالدة، ويستحيل نسيانها في التجربة الشعرية والفنية السائدة في العالم العربي؟

تقتضي الإجابة عن ذلك، لا محالة الوقوف عند أبرز المحطات في حياة النجم سيد حجاب الثقافية، فقد قابل في إحدى ندوات القاهرة، الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ومن هذه الندوة أصبحا صديقين، ثم تعرف بعد ذلك على أستاذه صلاح جاهين، فكان أول لقاء بينهما بعد أن سمع زجلاً لسيد، فانتفض واقفاً يحضنه، ويلف به حجرة الملحن سليمان جميل، وهذا جعله ينشر قصيدته "ابن بحر" عام 1961م، في باب - مجلة صباح الخير الأسبوعية، التي يعمل رئيس تحريرها -عنوانه "شاعر جديد يعجبني".

جاء في تقديمه "عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبيني إلا الكلمات العاطفية، ولو كان هناك حب من اللحظة الأولى، أكون أنا قد أحببت هذا الشاعر من أول شطرة.. اسمه "سيد حجاب"، تذكروا هذا الاسم، فإنه سيعيش طويلا في حياتنا المقبلة، وسيكون له شأن عظيم"، وهكذا صدقت نبوءة جاهين. حيث غدا نجماً من نجوم الشعر، والأغنية العامية بمصر والعالم العربي.

انبثقت موهبة سيد حجاب الشعرية، وهو في سن العاشرة، وكان حلمه أن يكون صوت الصيادين، أو شاعر البسطاء، والفقراء في قريته. وقد توصل أبوه الشاعر أحمد حجاب إلى أنه يجيد كتابة الشعر، فعلمه العروض، بعد المرحلة الثانوية العامة، وفي فترة التحاقه بكلية الهندسة بالإسكندرية، وبشكل ملحوظ، تحقق صقل موهبته الأدبية (الشعر، المسرح...).

أما نشر قصائده باللغة العربية الفصحى، وتعارفه على الشعراء، فلم تتحقق إلا بعد انتقاله إلى القاهرة، ليدرس بقسم المناجم، بجامعة القاهرة، لكن الملاحظ أن الشاعر سيد حجاب، كتب الأغاني مبكراً، حتى قبل إصدار أولى دواوينه الشعرية، فأولى أغنياته كانت عام 1965م، بعنوان يا طير يا طاير طير على بلدي، للفنان الكبير محمد فوزي.

بطبيعة الحال، فالدكتور محمد مندور هو من قدمه للتلفزيون والصحافة، معتبراً أنه أحد أهم المواهب والنجوم الصاعدة في الأدب والشعر. وبعد فترة نشر سيد حجاب قصائد بالعامية للمرة الأولى في أواخر عام 1960م، قدّم الشاعر أحمد فؤاد قاعود سيد حجاب للشاعر صلاح جاهين الذي قدّمه بدوره لقراء مجلة "صباح الخير"، كما أشرنا سابقاً.

انحاز سيد حجاب للقضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية، متأثراً بنكسة يونيو 1967م، فكانت تحركاته لا تبتعد عن الوطن، وهموم الناس البسطاء والمهمشين، وأحوال الاستبداد، بعيداً عن العمل السياسي، بعدما رفض العمل في جميع الأحزاب، وظل شاعراً، معتبراً أن الشعر مدخله إلى كل شيء.

في كتاباته، نهل سيد حجاب من التراث الشعبي، وتميزت أغنياته بطرافة المفردة، كما استطاعت هذه الأخيرة أن تثبت وجودها مع مقدمات المسلسلات المصرية، والتي نال معظمها شهرة ذائعة الصيت. وبالتعاون مع عمار الشريعي- أحد أعمدة مصر للموسيقى التصويرية للكثير من المسلسلات، والأفلام التليفزيونية- دخل سيد حجاب عالم الأغنية.
 

                                                 

كما تعاون مع الموسيقار عمر خيرت، والمطرب علي الحجار. وعليه استطاع سيد حجاب إعداد مقدمات أعمال درامية، أشهرها "غوايش"، و"الشراع المكسور". ولم يكن بعيداً عن أعمال كاتبي الدراما المصرية، أسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبد القوي. فقد لاقت إبداعاتهما، نجاحاً جماهيرياً وإعلامياً معاً، واستطاعت إكساب الدراما عمقاً غير مسبوق، فهما من أبرز النجوم والمؤلفين، وكتاب السيناريو في الدراما المصرية والعربية؛ حيث استطاعا مناقشة قضايا مجتمعية لصيقة بالواقع الملتبس، والأحلام المتعددة.

والحق أن الجانب الجمالي في شعر سيد حجاب لا يفتقد إلى وجهه الدرامي المكمل له، سيما في أعماله الغنائية، سواء كانت للتلفزيون أو المسرح أو الإذاعة، فقد شارك في كتابة الأشعار لأكثر من 140 عملًا دراميًا.
 

                                               
                                               

كما شارك في كتابة السيناريو لبعض هذه الأعمال؛ وهذا كله دفع سيد حجاب إلى السمو في فضاء الإبداع، والنجومية، ويتضح ما قلناه بشكل ملموس من خلال مسلسلات "الأيام"، و"ليلة القبض على فاطمة"، و"المال والبنون"، و"الشهد والدموع"، و"ليالي الحلمية"، و"بوابة الحلواني" و"أرابيسك"، و"أوبرا عايدة"، و"الحقيقة والسراب"، و"المصراوية". وعلاوة على ذلك غنى له كل من عفاف راضى، وعبد المنعم مدبولى، وصفاء أبو السعود، ولحن له بليغ حمدي أغنيات لعلي الحجار، وسميرة سعيد. وكتب لمحمد منير في بداياته، وبالضبط في أول ألبوم له، لكن الملاحظ أن أبرز من غنّى أشعار سيد حجاب المطرب علي الحجار الذي أكد أن إنتاجاته الشعرية سواء منها الوطنية الجادة أو العاطفية على قدر واحد من القوة.

كتب سيد حجاب أشعار العديد من الفوازير لشريهان وغيرها، كما كتب للأطفال في مجلتي سمير وميكي في الفترة من 1964 إلى 1967م. وعموماً فقد شارك سيد حجاب بأشعاره، وكتاباته في إنتاج أعمال غنائية، كثر الحديث عنها، وكان حلمه تأسيس "أوبرا مصرية شعبية"، كما كتب مقالات نقدية لمجلة "الآدب" البيروتية، وجريدة "المساء"، ومجلة "صباح الخير"، ومجلة "روزاليوسف". هذا وقد كتب سيد حجاب كتب سيرته الذاتية، في شكل قصيدة تتضمن ثلاثة أبواب عن "الخير" و"الحق" و"الجمال"، لتعكس رؤيته في الوجود، وإن لم يستطع إكمالها.

لنرجع قليلاً إلى الوراء، لنؤكد أن سيد حجاب نجم انحاز للبسطاء والكادحين، لكن حزناً شديداً اعتراه، لإحساسه بأن شعره لم يصل لعموم الناس؛ أي إلى الصيادين البسطاء في بلدته، رغم قدرته على الكتابة بلغتهم، وخرقه جدار الصمت، للنفاذ إلى جوهر الأشياء، والحق أن سيد حجاب أحدث طفرة نوعية في الدراما التليفزيونية، وربما يتناسى الجمهور تفاصيل أعماله الدرامية، لكنه أبداً لا ينسى نص المقدمة، والنهاية لتلك الأعمال، ببساطة لأنها لم تكن للزينة، بل أضاف إليها حجاب من روحه، حتى تبقى حية بيننا، وبعدما ترك لنا إرثاً كبيراً من الأشعار، المنقوشة في ذاكرتنا الثقافية والفنية، توفي في 25 يناير 2017م.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها