الكتابة للأطفال أصبحتْ أكثرَ صعوبةً

حوار مع القاص "السيد شليل" عاشق أدب الطفل

حاوره: محمد زين العابدين


أديبٌ مبدعٌ ومثابر، ولد على ضفاف نيل دمياط، بلد الفنّ والجمال، والعمل الدائب، واستطاع اكتشاف موهبته في الكتابة مبكراً. ثقَّفَ نفسه بنفسه، برغم تعليمه المتوسط، ونشر قصصه، ونال عضوية نادي الأدب؛ وعمره لم يتجاوز الثالثة عشر. بدأ رحلته مع الكتابة بالشعر، ولكن سرعان ما انجذب إلى عالم القصص. ورغم ابتعاده عن الحركة الثقافية لمدة عشرين عاماً، لأداء الواجب العسكري، ثم السفر لتأمين مستقبل شقيقاته؛ إلا أن السيد شليل استطاع تعويض غيابه الطويل، بإنتاجه الغزير والمتنوع، في الرواية والقصة وأدب الأطفال. لكن المجال الذي عشقه، وأبدع فيه بغزارة، هو الكتابة للأطفال واليافعين.


بدأ مشواره الأدبي بمجموعتين قصصيتين؛ الأولى عام 2017 بعنوان "الرائحة"، ثم "طبنجة ميري"، عام 2018. ثم تدفقت قصصه ورواياته للأطفال واليافعين؛ والتي بدأها عام 2019، برواية "ما حدث في بستان العم سعفان"، عن المركز القومي لثقافة الطفل. ثم صدر له "خطوط متعرجة"، "الصياد والطائر الذهبي"، "قوس قزح بدون ألوان"، "أقدام من ذهب"، "يوماً ما يتحقق حلمي"، وغيرها... وقد استثمر أديبنا منح التفرغ التي نالها، في إبداع أعماله الأدبية المتنوعة؛ فخلال منحة التفرغ التي نالها من المجلس الأعلى للثقافة في مجال الرواية، أبدع رواية "مد اليد"، عام 2019. وخلال منحة وزارة الثقافة في مجال أدب الطفل، أبدع المجموعة القصصية "مختار وسر الجدار" عام 2021. ثم المجموعة القصصية "هادي والعالم الافتراضي" عام 2021. ثم المجموعة القصصية "وفاء تصعد إلى الفضاء" عام 2022. وفي هذا الحوار نطل على عالمه الإبداعي.
 

✧ نريد أولاً التعرف على المنابع التي شكلت ثقافتك؟ وكيف بدأت علاقتك بالكتابة؟

بدأ تعلقي بالقراءة في سن صغيرة؛ حيث كنت أدخر من مصروفي اليومي، حتى أكمل ثمن كتاب أو مجلة أو جريدة؛ ومن هنا تشكل وعيي، وبدأت في تعميق التجربة، باستعارة الكتب من بعض المكتبات المتاحة، أو من خلال مكتبات المدارس أثناء التعليم، أو من خلال قصر الثقافة، ومكتبته العامرة المتنوعة؛ والتي نهلت من كتبها المتنوعة، وتعاملت مع بائع جرائد بنظام (الاستبدال)؛ فيعطيني كتاباً، وبعد قراءته أرده، مع منحه مبلغاً زهيداً؛ حتى بدأت أكتب الشعر، وأعرض كتاباتي على أحد الأصدقاء؛ والذي نصحني بالتوجه لنادي الأدب بقصر الثقافة، وحصلت على العضوية العاملة في سن مبكرة.

✦ من هم أبرز الأدباء الذين قرأتَ لهم وتأثرت بهم؟

تعرفت على كتابات يوسف إدريس، ويحيى الطاهر عبد الله، وعبد الحكيم قاسم، وبهاء طاهر، وإدوار الخراط، وتشيخوف، ومكسيم جوركي، وأرنست هيمنغواي، وأرنست فيشر وغيرهم؛ ولكنني تأثرت جداً بكاتب دمياطي هو (محسن يونس). وكنت قد تحولت إلى كتابة السرد- ولكن في شكل الأقصوصة- وكنت بارعاً فيها؛ هكذا قال النقاد آنذاك، ومنهم الروائي فكري داود، والكاتب سمير الفيل وغيرهما.

✧ بمَنْ تأثرت في مجال الكتابة للأطفال؟

لقد قرأت للعديد من الكتاب العرب والأجانب في مجال أدب الطفل، وأعجبت بكتابات تركت في نفسي أثراً قوياً، وكانت دافعاً لاستكمال مشروعي الإبداعي، دون توقف أو كسل؛ ولكن ظل الطفل العربي النّابه يُدهشني أكثر بتصرفاته الفطرية، وخياله الرحب.

✦ في مجموعتيك القصصيتين اللتين بدأت بهما النشر: الرائحة (2017)، وطبنجة ميري (2019)؛ ركزت على تيمة تحقيق أحلام البسطاء، والتعاطف مع المهمشين؛ فهل أثرت الأحداث التي مرت بمصر في السنوات الأخيرة على هذين العملين؟

كما تعلم؛ فإن الكاتب الحقيقي هو لسان حال الناس؛ يعبر عنهم بعد أن يتجرع مرارة آلامهم، ويحلم معهم بغدٍ أفضل. وكل ذلك من الطبيعي أن يتأثر بعدم استقرار الوضع الأمني في أي بلد. ومصر قوية بشعبها المخلص، وجيشها القوي، وبسطائها الذين تتلخص أقصى طموحاتهم في الحياة. ولو حدثت تلك الثورات في دول لأخرى لوقعت -والشواهد كثيرة- حفظ الله مصرنا الحبيبة، والوطن العربي أجمع.

✧ أظهرت في قصص مجموعة (الرائحة)، أجواء ودقائق صناعة الأثاث التقليدية بدمياط. ما مدى خصوصية المكان الدمياطي في كتاباتك؟

دمياط عشقي؛ فيها ولدت وكبُرت وتعلمت، وعملت في حرفة الأثاث، ورأيت الإبداع في كل شيء. هي أرض خصبة للإبداع؛ فرأس البر مثلاً آية الله في الأرض، عند منطقة اللسان، التي تتحقق فيها الآية الكريمة {مرجَ البحرين يلتقيان، بينهما برزخٌ لا يبغيان}. وهنا تتجلى خصوصية المكان في كتاباتي، من خلال التجارِب الشخصية والتوثيق. وقد كتبت عدة روايات، تحمل العبق والسحر الدمياطي.

✦ ما الذي وجَّهكَ بقوة للكتابة للأطفال؟

رهانٌ دار بيني وبين (محمد ابني) -وهو ملهمي في كل ما لم أكتبه بعد- حيث قال لي: "أنت تكتب للكبار ببراعة؛ ولكن لو كتبت قصة وأعجبتني، سأعترف بقدرتك على ذلك. وبدأت في ارتجال أحداث قصة للأطفال، ورويتها له، فأدهشته، واحتضنني وقبَّلَ رأسي، وشعرت بسعادته. ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد عدة أسئلة طرحها وأجبته عليها؛ ومن هنا بدأت أكتب للأطفال.

✧ كيف تُفّرِق وأنت تكتب، بين الكتابة للكبار، والكتابة للأطفال؟

عندما أكتب للطفل، أبتعد تماماً عن كتابة أي عمل روائي؛ لأن الكتابة الروائية تتطلب جهداً أكبر، وتفاصيل متعددة، ولا بُدّ أن يتوحد الكاتب مع شخصياته، وأحداث المتن. أما كتابة قصة للطفل، فتحتاج لفكرة مختلفة يشّكِلها خيال خصب، ويطرحها الكاتب بشكل جديد، من خلال لغة سلسة، ويرسمها فنان مبتكر، وتنشرها دار واعية محبة لهذا المجال.

✦ ألاحظ في قصصك للأطفال، أنك تركز على إيصال معنى السعادة للأطفال. هل ترى أن طفل هذا العصر بكل رفاهيته، أكثر سعادة أم أقل سعادة من جيلنا؟

في كل كتاباتي للأطفال، أحاول طرح بعض الأسئلة المهمة، التي تؤرق عقل الطفل -ومنها السعادة التي يبحث عنها الكبار والصغار- والتي أجابت عليها مجموعتي (سبل السعادة)، الصادرة عن المركز القومي لثقافة الطفل، وكان الجواب بسيطاً مقنعاً؛ فالسعادة تكمن في الرضا والعطاء، ومساعدة الآخرين؛ فبالرغم من وجود الرفاهية، إلا أن الأطفال فقدوا جزءاً هاماً من فطريتهم، بالتعّلق والانجذاب إلى العالم التقني، تماهياً مع إيقاع الحياة اليومية.
 

✧ كتبت القصة القصيرة، وقصصاً وروايات للأطفال واليافعين. فعلى أي أساس تختار الإطار الذي تكتب فيه أفكارك؟

الفكرة هي التي تطرح القالب المناسب لصياغتها؛ فتخرج في شكل رواية، أو قصة أو مسرحية. المهم أن يكون هذا القالب مناسباً لعرض الفكرة، حتى تتماس مع القارئ المستهدف، وتحدد فئته العمرية. كما أن هناك أنواع كثيرة ومتعددة من قصص الأطفال، كالقصة المصورة، والتوعوية التفاعلية، والسردية وغيرها، وكذلك الروايات للفتيان والشباب والناشئة، والروايات البوليسية وروايات الرعب.

✦ في ظل التطورات التكنولوجية المتلاحقة، والنضج المعرفي لأطفال اليوم؛ هل زادت صعوبات الكتابة للأطفال والناشئين؟

بالطبع؛ أصبحت الكتابة الجيدة صعبة، بعد عزوف شريحة كبيرة من الأطفال، عن قراءة الكتاب الورقي، ولجوئهم للعالم التقني، الذي وجدوا فيه بغيتهم، والخيال الذي يفوق خيالهم، والقدرات المتعددة التي شكلتها آليات السينما العالمية، مثل أفلام (هاري بوتر) وغيرها؛ بعد أن أصبحت الكتابات المتاحة للأطفال، لا تحترم عقولهم، ولا تقّدِر وعيهم.

✧ نريد تسليط الضوء على تجربتك في إصدار مجلة (شليل كيدز) للأطفال؟

لا أخفيك سراً؛ فمجلة (شليل كيدز)، وجدتها بالصدفة، أثناء البحث عبر (غوغل)؛ ولكنني سعدت عندما عرفت أنها للأطفال، وتواصلت مع أصحابها، وعلمت بعد ذلك أن (شليل) هي لعبة سودانية، تُلعب في الليالي القمرية. وقد تعاونت مع الإخوة السودانيين، وأصدرنا معاً 14 عدداً من مجلة (شليل كيدز). وكان لدينا الكثير من المشاريع، بعضها لذوي القدرات الخاصة، وفيلم كرتوني، وبرنامج للأطفال، بعنوان (دنيا شليل). وكل ذلك قبل أن تحل للأسف كارثة الحرب بالسودان الشقيق، ليتم تعليق هذه المشاريع.

✦ ما العمل الذي تحلم بتقديمه؟

لديَّ العديد من المشاريع، التي أتمنى أن ترى النور، وأسعى جاهداً لتنفيذ بعضها، مع بعض دور النشر، والمؤسسات الثقافية؛ مثل تحويل صور ذوي القدرات الفائقة، إلى رسوم متحركة، مع كتابة قصص نجاحاتهم؛ حتى تكون حافزاً، وشاهداً على تجاوزهم للمِحن، بالصبر والعمل، وقوة الإرادة، ووضعها في كُتَّيِب، يعود ريعُهُ على مشاريعهم.

✧ ما هو تقييمك لظاهرة الجوائز الأدبية، ومعايير منحها، في ظل الضجة التي تثيرها في الساحة الثقافية؟

بصراحة؛ فقدت الكثير من الجوائز مصداقيتها وجدواها؛ بعد أن تكَّشفت الحقائق، وباتت الجوائز تمنح من خلال علاقات وغيرها، تصَّدرَ بها الفاسدون والمدعون أماكن ومناصب ليست لهم. ولكن ما زالت هناك بعض الجوائز، التي تحاول الاستمرار بنزاهة -رغم قلتها- وعلى سبيل المثال، فجوائز الدولة لهذا العام، تعتبر مبشرة، ومؤشر جيد نحو الإصلاح.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها