الفنان ضياء العزاوي.. التكامل الجمالي بين النص والرسم

خاطر محمد عبده



تستجيب العلاقة بين الفنون المختلفة لفيوضات الذاكرة الإبداعية التي ترتب مرايا الرؤية لدى المبدع، بهذا المعنى كانت استجابة اللوحة التشكيلية لدى الفنان ضياء العزاوي، إلى فضاءات الكلمة. فإذا كانت القصيدة مثل اللوحة بتعبير الشاعر هوراس، فإن الشاعر اليوناني سيمونيدس يرى: أن الرسم شعر صامت.. والشعر تصوير ناطق، فالعلاقة بين الشعر والفن التشكيلي علاقة تنهض من كنه الوعي الجمالي للوجود.
 

وكما يرى ضياء العزاوي "أن الرسم والشعر حسب إيفن جيلسن ساقان للنبتة متعادلان غير متطابقين، وكل ساق توصل إلى الساق الأخرى من خلال نظام الجذر المشترك، وهذه الصورة تكشف عن حقيقة الشعر والرسم أحدهما نقطة في الملموس والأخرى إيحاء ومخيلة". ويرى أن النص المرافق للرسم هو محاولة لتوسيع المساحة المقروءة، هو شكل مادي لرؤية مكتوبة، هو مغادرة الكلمات لواقعها اللغوي والانتقال إلى بنية بصرية يلعب فيها اللون دوراً أساسياً هو بحث مستمر لعلاقة الكلمة بالفراغ المحيط بها تلك الملاحظة التي تتصاعد مع بناء النص محققة تواجداً متفاعلاً لبنية شعرية أوسع.

انطلاقاً من هذه المقولة يمكن أن نقرأ تجربة الفنان ضياء العزاوي الرائدة والتأسيسية في دفاتر الرسم في المشهد التشكيلي العراقي، إلى ذلك التكامل الجمالي بين النص والرسم، كما يقول: "تزاوج يرفض الجانب التفسيري بحيث يكون الرسم إقحاماً لا معنى له. بل وبعكس ذلك يجسد هذا التكامل حضوراً فاعلاً يفجر النص ويأخذ به إلى حيث توأم الشكل الفني والعكس صحيح. ولكوني معنيّ بالبحث عن خصائص فنية ترتبط بالموروث والذاكرة الثقافية القومية والوطنية، كان لا بد أن يكون الشعر أحد روافد هذا البحث.

دفاتر الرسم، تجربة ابتكارية تنحاز للبصر ومزاوجتها للنص تنهض من رؤية تصويرية بأفق جمالي وفق إجراء تصميمي وإخراجي يماثل شكل كتاب، يتألف من مجموعة صفحات متقابلة ومتعاقبة، أو وفق صيغة على شكل صفحات مطوية تتصل مع بعضها مشكلة صفحة شديدة الاستطالة، أو وفق تصور مختلف آخر غالباً ما ينفذ بشكل يدوي من قبل الفنان.



نماذج لدفاتر رسم ضياء العزاوي


وتأتي أولى تجارب الفنان العزاوي في دفتر (مقتل الحسين)، 1968 الذي جاء عبر تكوينات وصياغات تأليفية تشبه سلسلة تخطيطات تتمثل موضوعاً واحداً بصور متعاقبة على شكل دفتر رسم، مكتفياً بمادة الحبر الصيني واللون الأحادي هو الأزرق الفاتح في ترتيب أشكاله ومفرداته.

ومن أجل خلق مقاربة صورية متصلة بالموضوع لجأ العزاوي إلى تمثيل الحس الميثولوجي عبر صياغات شكلت بنية الدفتر.

وفي دفتر آخر أراد أن يعزز ضياء العزاوي تجربته في هذا الشكل الفني فاختار قصيدة للشاعر يوسف الصائغ بعنوان "انتظريني عند تخوم البحر" في عام 1971. حيث أنجز هذا الدفتر بنسخة واحدة، نسخ الفنان القصيدة بيده. وبطلب من الشاعر، طبع هذا الدفتر كاملاً على هيئة كتاب مطبوع.

لينجز دفتراً آخر عن هذه القصيدة في عام 1983، ولكن هذه المرة بمعالجة خطية، قدم خلالها متن القصيدة إضافة إلى الأشكال المرسومة، بمشهد بصري متكافئ.

وثمة دفتر آخر أنجزه العزاوي حول قصائد مختارة للشاعر يوسف الخال، حيث وصف هذا التشكيل في هذا الدفتر بكونه تشييد "عوالم بصرية تنأى عن النص بمقدار ما تتبناه بوصفه نظاماً داخلياً للأفكار"، وبالتالي ثمة تقابل في الرؤية بين المنظومة النصية والمنظومة اللونية التي تنهض على خلفية الرؤية التي يريد أن يوصلها الفنان عبر هذا التجاور بين النص الشعري والفن التشكيلي.

ويبين ضياء العزاوي أن اهتمامه في هذا التجاور بين الشعر والفن التشكيلي، كان وراءه عاملان الأول ذاتي يتصل برعاية جبرا إبراهيم جبرا غير المباشرة بما ينشره في مجلته (العاملون في النفط)، ما وثق علاقته ليس بالنص فحسب بل بالأدباء العراقيين، أما العامل الثاني فيتصل بالتصور الموضوعي القائم على مغزى ثقافي وجمالي في البحث عن بعد إبداعي لتطوير عمله الفني.

ويمكننا القول إن المرجعية الجمالية لهذه الدفاتر تتمثل بصيغتها البصرية كقصائد شعر مرافقة للتشكيل الفني؛ أي أن التشكيل النصي مجاور للتشكيل اللوني، وبالتالي تتكامل الرؤية البصرية في النص الكلي الذي يتمثل بدفاتر الرسم.

وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أن تجربة ضياء العزاوي في دفاتر الرسم لم تتوقف عند حدود النص الشعري والنص التصويري، بل انفتحت على نصوص نثرية، كما انفتحت على تجارب تشكيلية كما هو الحال في دفتره "تحية إلى جواد سليم" الذي تناول بغداديات جواد سليم. موظفاً البنية التصويرية في البغداديات الحافلة بحسها الفلكلوري وجماليات المورث الشعبي، ليقدم تجربة فنية مختلفة في المشهد الفني العراقي والعربي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها