تنهض سينما الرعب على استثمار مشاعر التوتر والإثارة والخوف من المجهول.. وهي في ذلك تكشف عن الوجه المظلم في الإنسان الراغب في رؤية الدم والجثث والجرائم.. أمرٌ واضح من خلال إقبال فئة واسعة من جمهور السينما على أفلام الأشباح والقتلة المتسلسلين والوحوش ومصاصي الدماء.. يكفي الإشارة لاهتمام شريحة كبيرة من المتفرجين بشخصية دراكولا مثلاً، المستوحاة من رواية الكاتب برام ستوكر (1933)، وشخصية الرجل الخفي.. ووقائع أفلام الحروب، حيث الكل منهزم وإن زعمتْ أفلام الرعب غير ذلك.. إضافةً للنزعة التدميرية التي واكبت اكتشاف القنبلة الذرية، وأفلام الرعب المقرونة بسمك القرش، وأفلام أكلة لحوم البشر، وأفلام الأشباح المليئة بالغموض والأرواح الشريرة وغيرها.
مجالياً تشتغل أفلام الرعب على القلاع المهجورة والمقابر والبيوت القديمة.. أماكن تزيدها الإضاءة الخافتة رعباً منتجة حالاتٍ من الترقب والتوتر والقلق.. دون نسيان المؤثرات الصوتية، بما في ذلك الموسيقى الشبيهة بضربات القلب العالية التي تنقطع الأنفاس بعدها. أما زوايا التقاط المشاهد واللقطات فغالباً ما تكون بعين الضحية لتزيد من اندماج المتفرج مع الأحداث.. حالات درامية يتصاعد فيها الأندرلنين في الدم فينشد المتلقي لاستهلاك أكبر عدد من مشاهد الرعب.
عند هذا المستوى يمكننا التساؤل عن أي متعة نفسية أو عقلية يحوزها عشاق هذه الأفلام؟ وهل يمكن تبرير استهلاك هذه الأفلام بالتنفيس عن المشاعر السلبية ونزع مشاعر العدوانية؟ وهل حقاً يذهب البعض لأفلام الرعب فقط لاكتساب مزيد من المهارات لمواجهة مخاطر مشابهة، أو لاكتساب مزيد من الخبرات لمواجهة مواقف مرعبة؟ وهل تأتي متعة المتفرج في أفلام الرعب من مشاهدة الخوف وهو في مكان آمن، بمعنى أن يعيش التجربة دون أن يكون في وسطها؟ وهل تمنحه إمكانية التماهي مع بعض الأبطال فرصة التنفيس عن مشاعر سلبية عاشها، أم هو مجرد فضول بشري لعيش تجربة جديدة؟ وهل حقاً أن أفلام الرعب تغذي فينا الشعور بالمغامرة والتحدي من خلال الذهاب إلى أماكن مخيفة؛ أم يشعر البعض أنهم أحياء بمواجهة الأخطار والانتصار عليها.. بينما الحياة الرتيبة تميت فينا الشعور بالحياة، فيأتي الرعب ليضفي شيئاً من الحيوية عليها؟ نترك هذه الأسئلة مفتوحة تماماً كما هو نزيف أفلام الرعب.

1- نماذج من سينما الرعب:
تاريخياً يمكن اعتبار عقد الستينيات من القرن (20) عقد ازدهار سينما الرعب، يكفي استدعاء الأفلام التي اقتبست عن روات إدغار ألان بو، مثل فيلم "منزل أوشير"، و"الغراب"، و"قناع الموت الأحمر"، وهي أفلام أخرجها روجر كورمان، وعرفت رواجاً واشتهاراً أفضل مما عرفته الروايات. وفي السنوات نفسها، عاد إلى الظهور ألفريد هيتشكوك رائد سينما التشويق من جديد، وأخرج للسينما أفلاماً بنظرة مغايرة وعمق جمالي جديد، يعتمد على التشويق والقلق مع توريط المُشاهد في القصة بطريقة أو بأخرى. لدرج أن أفلامه صارت، أيقوناتٍ ومرجعاً مهماً لمخرجي أفلام الرعب بعد ذلك، خاصة: "ذهان" (1960) و"الطيور" (1963). وفي منتصف السبعينيات صارت أفلام الرعب تستند إلى قصص واقعية، على الرغم من تأثرها بسينما هيتشكوك، مثل فلم: "مذبحة تكساس" (1974) لمخرجه توب هوبر، وهو الفلم الذي غرق في مشاهد الدم والعنف، بعد أن تبيَّن أن الإنسان يحمل بداخله كل هذا العنف والألم. وفي عام 1975م، أخرج سبيلبرغ فلمه الشهير "أسنان البحر"، حيث صار الشر يتجسَّد في الحيوان بدلاً عن الإنسان، لكنه هو الآخر لم يخلُ من مشاهد الدم والعنف. وقد استلهم بعض التقنيات من هيتشكوك لرفع منسوب التشويق والقلق، بالتوظيف الكبير للمجال الخارج عن الكاميرا أو عن التصوير، كما هدف إلى مساءلة المشاهد وإدراجه في القصة. وقد كان هذا آخر أفلام الرعب المرشحة بقوة للأوسكار منذ عام 1975، حتى جاء فِيلْم "أُخرج".
والراصد لأفلام الرعب الخاصة بهذه الفترة لا يمكنه القفز على أشهرها؛ فيلم "طارد الأرواح الشريرة" (The Exorcist)، المقتبس من رواية "ويليام بلاتي" التي تحمل الاسم ذاته، الفيلم الذي أصبح سريعاً بعد عرضه عام 1973 فيلم الرعب الأعلى ربحاً على الإطلاق، وأول فيلم رعب يتم ترشيحه لجائزة "أوسكار" لأفضل فيلم (حصل على 9 ترشيحات أخرى). لكن خارج هذه التقييمات النقدية والتجارية، اشتهر الفيلم بالهستيريا الجماعية التي نشرها في أنحاء البلاد من الاحتجاجات على موضوعه المثير للجدل إلى التقارير المنتشرة عن الغثيان والإغماء بين الجمهور. ويبدو إيقاعه الدرامي ومؤثراته قديمة الآن، مقارنة بأفلام الرعب المعاصرة، ولكن لا يمكن إنكار التأثير الذي لا يزال الفيلم يتمتع به على أولئك الذين يشاهدونه للمرة الأولى. يضاف لفيلم "طارد الأرواح الشريرة" فيلم "هالوين" المعروض سنة (1978) وهو يروي قصة قاتل متسلسل يطارد مجموعة من المراهقين في ليلة عيد الهالوين. وفيلم "البريق" (1980) الذي يحكي قصة انتقال كاتب إلى فندق مع عائلته، ويكتشف أنه مسكون بأرواح شريرة.. واللائحة طويلة.

2- امتدادات أفلام الرعب:
تتقاطع أفلام الرعب مع أنواع فلمية مجاورة منها أفلام الحركة /Films d’ action التي تبنى بدورها على التشويق، ومن أشهرها فيلم "مجزرة منشار تكساس"، وهو من إنتاج سنة 1974.. كما تلتقي أفلام الرعب مع أفلام الإثارة، ومنها فيلم "نفوس معقدة" لألفريد هتشكوك الذي حفر عميقاً في شعور الرعب من خلال العمل على اشتغاله على اللونين الأبيض والأسود. والفيلم مقتبس من رواية روبرت بلوخ بالاسم ذاته، وقدم أحد أكثر المشاهد الدموية في التاريخ، وهو مقتل البطلة في الحمام من دون أن يُظهر عملية القتل ولا القتيلة أو القاتل.
قد لا تكون أفلام الرعب النوع الأكثر تقديراً بين الأنواع السينمائية ولا حتى الأكثر شعبية، ولكنها تداعب المخاوف المتأصلة في النفس البشرية؛ إذْ تجعل الكوابيس تخرج من ذهن الإنسان متجسدة على الشاشة، وما يشعره بأنه أخف وأهدأ بعدها ولذلك ستظل تستمر وتتطور وتزدهر.
تقول كريستا جوردان المتخصصة في علم النفس الإكلينيكي: إن العقل لا يميز بين الخيال والواقع بدقة، لذلك يحدث ما يشبه الخلل عند مشاهدة أفلام الرعب، حيث ينسى الدماغ في تلك اللحظة أن ما يراه ليس خطراً حقيقياً، ويحفز نفسه للاستجابة الفسيولوجية المناسبة، وينتج الجسم هرمونات الأدرينالين والإندورفين والدوبامين، وهي المواد الكيميائية التي تحفز مشاعر النشوة داخل الجسم، وهو ما يجعل الإنسان مستمتعاً رغم الخوف.
تبقى تبعات فرجة أفلام الرعب متضاربة: فهناك من يرى أنها أفلام تجعل النوم أكثر صعوبة، في حالة إطلاق نسبة كبيرة من هرمون الأدرينالين في الجسم. وقلة النوم يمكن أن تؤثر سلباً على كيفية معالجة الدماغ للعواطف في اليوم التالي، ويمكن أن يزيد من حدة المشاعر السلبية والوصول إلى حالة الاكتئاب. وهناك رأي مختلف يرى أن مشاهدة أفلام الرعب فرصة لمواجهة مخاوف المرء، فمشاهدة فيلم مرعب تتيح لنا اختبار تهديدٍ ما دون أن يصيبنا منه مكروه حقيقي وملموس.. بل ويسعف على تفريغ مشاعر الخوف والتخلص من الشعور العدواني.. أُفقٌ أيّده الروائي الأميركي المتخصص بأدب الرعب، ستيفن كينج قائلاً: "إن أفلام الرعب تعمل على نزع فتيل المشاعر السلبية والعدوانية لدى البشر، في نطاق مخصص يساعد على حفظ التوازن النفسي المجتمعي".