هندسة الألوان

بين فكرة العلاج ومجالات الاستخدام

د. محمد السقا عيد


إذا نظرنا للعالم من حولنا، نجد أننا نعيش في محيط لوني تتغير ألوانه باستمرار. وقد تعلق الإنسان منذ اللحظة الأولى لوجوده بالألوان، واستخدمها في مصنوعاته وجدران مسكنه. وحسب المصادر التاريخية، استخدمت الألوان في العمارة منذ الحضارة الفرعونية في فراغاتها الداخلية وخاصة في الحوائط والأسقف، كما ظهرت المعالجات اللونية في العمارة الإغريقية نتيجة لاستخدام الجرانيت والرخام.
 

اللون ليس مادة ملموسة، بل هو إحساس ناتج عن موجات كهرومغناطيسية تشكل الضوء. تتلقى الأعين هذه الموجات وتتولى الأدمغة ترجمتها فيتولد عن ذلك إحساس نسميه الألوان. توجد الألوان في كل مكان حولنا، فأحلامنا وردية، وغضبنا أحمر، وشبابنا بلون الربيع.

ويختلف تعريف الألوان باختلافِ المَجال الذي يتمّ استعمالُها فيه، فالفنّانون التشكيليون والرسّامون والعاملون في مجالات الأصباغ والطباعة عَرفوا الألوان على أنّها الأحبار والمُكوّنات الصبغية التي تُستعمل في عمليّة إنتاجها، أمّا عُلماء الطبيعة فعرّفوها على أنّها الأشعّة الملوّنة التي تنتج عن عمليّة تحليل الضوء عند استقباله في شبكيّة العين؛ أي أنّها الأثر الفسيولوجي الذي ينتج عن وجود المادة الصبغية الملوّنة أو الأشعة والأضواء المُختلفة التي تَستقبلها العين وعمليّة مُعالجتها، وتُحلّلها في مراكز الإبصار بالدّماغ عن طريق الجهاز العصبي.

وتلعب الألوان دوراً كبيراً في تغيير نظرة الفرد للحياة، كما أنها تعبر عما يدور في شخصيته بحيث يتجاوب معها. وتعتبر الألوان بحد ذاتها من العوامل البيئة المؤثرة في صحة الإنسان، فهي تؤثر على العواطف والنظرة إلى الحياة وتؤثر أيضاً على السعادة النفسية للفرد والمجتمع بشكل عام. كما تملك الألوان طاقة قوية، فيمكنها أن تشفيك أو تسبب لك المرض، تعالج نفسيتك أو توتر أعصابك، تنشطك أو تهدئك، تمنحك شعوراً بالدفء أو بالبرودة، تؤجج عاطفتك أو تميتها... إلخ. وفي يومنا هذا؛ فإن دراسة تأثير اللون على الإنسان، ولاسيما تأثيره العلاجي، بصورة علمية، لا يزال في طور الاكتشاف على الصعيد الدولي، ويكاد يكون مجهولا تماماً في العالم العربي.

وبغية نشر أهمية الألوان واستخدامها كعلاج مكمل، نشأت في الآونة الأخيرة العديد من المؤسسات ومراكز البحث والتدريب، والعلاج المتخصصة في دول غربية على الخصوص، رغم أن العلاج بالألوان كان معروفاً من عصور سحيقة لدى الحضارات القديمة لاسيما في الشرق الأقصى (الهند والصين)، والشرق الأوسط (بلاد الرافدين ومصر الفراعنة ويونان الإغريق).

ومن أهم تلك المؤسسات غير الحكومية المختصة في العلاج باللون في بريطانيا "مؤسسة التدريب على العلاج بالألوان"، ورابطة العلاج بالألوان"، و"الألوان الدولية"، وهي جميعاً هيئات أسستها "جون ماك ليود" إحدى أبرز الخبراء في العلاج في بريطانيا والعالم.
 

فكرة التداوي بالألوان:

يقول الأخصائيون في هذا المجال أن كل جسد تحيط به هالة عبارة عن حزمة ضعيفة من الأضواء تلتف حوله، وتتكون من عدد من الألوان المختلفة، وكل لون من هذه الألوان له علاقة بجزء معين من أجزاء الجسم، فاللون الأحمر مثلًا يمثل اليدين والقدمين والدم والكلي، واللون الأصفر للجهاز العصبي، والبنفسجي للقلب، ويعكس لون هالة كل إنسان حالته الصحية جسديا وعاطفياً وروحياً. وفي هذا النوع من العلاج يقوم الأخصائي بعمل تشخيص، ثم يلجأ إلى تعريض جزء مصاب في الجسم إلى ألوان معينة حتى يؤثر في طريقة أداء هذا الجزء.

وطبقاً لما يعتقده الدكتور ألكسندر شاوس (مدير المعهد الأمريكي للبحوث الحيوية الاجتماعية في تاكوما بولاية واشنطن): فإنه عندما تدخل طاقة الضوء أجسامنا، فإنها تنبه الغدة النخامية والصنوبرية، وهذا بدوره يؤدي إلى إفراز هرمونات معينة، تقوم بإحداث مجموعة من العمليات الفسيولوجية، وهذا يشرح لماذا تسيطر الألوان تأثيراً مباشراً على أفكارنا ومزاجنا وسلوكياتنا.

ويؤكد "الطب البديل" أن نقص لون معين في جسم الإنسان يؤدي إلى اضطرابات داخل الجسم، وإلى ظهور "أعراض سلبية" على الإنسان، قد تؤثر في العلاقات الأسرية أو الاجتماعية، نظراً لتأثيرها المباشر في الحالة الشعورية للإنسان، وقد يمتد هذا التأثير إلى القدرة الجنسية؛ وبالتالي فإن تزويد الجسم "باللون الناقص" الذي يحتاجه يساعد في علاج هذه الاضطرابات، وإلى اختفاء هذه الأعراض السلبية فوراً.

وقد أثبت العلم الحديث أن الألوان تزود الجسم بالطاقة التي تعمل بدورها على "تصحيح" الاضطرابات الشعورية أو النفسية، بما فيها السلوك السيكوباتي (الذي يصنف بالميول العدوانية وعدم نضوج العاطفة إلى حد بعيد).

إذن؛ يستطيع الإنسان تمييز الألوان بواسطة حاسّات في شبكية العين يطلق عليها الامتدادات المخروطيّة والامتدادات العصيّة. وتتميز العصّية بأنها حساسة للضوء المنخفض في حين أن المخروطيّة والتي تتطلب كثافة أكبر من الضوء، تسمح بالتقاط اللون، ثم تقوم بإرساله إلى العصب البصري ومن ثم إلى الدماغ.

تستجيب الغدتان النخامية والصنوبرية في الدماغ إلى الرسائل المرسلة من الخلايا والتي تحدد كمية وجودة اللون المشع على الجسم، ثم تقومان بإفراز هرمونات تحاكي الغدد الأخرى.

ومما يثير الدهشة أن للألوان تأثيراً حتى على كفيفي البصر، والذين يظن أنهم يحسون بالألوان، نتيجة لترددات الطاقة التي تتولد داخل أجسامهم، وذلك يدل على أن الألوان التي تختارها لملابسك ومنزلك ومكتبك وسيارتك، والأشياء الأخرى الخاصة بك يكون لها تأثير عميق لديك.


كيفية تطبيق العلاج باللون: 

لا توجد فحوص خاصة في الطب التقليدي لتشخيص "نقص" لون معين داخل الجسم، وبالتالي فالعلاج بالألوان ليس له قواعد محددة في هذا الطب، أما عن كيفية تزويد الجسم بتلك "الألوان الناقصة" التي يحتاجها، فإن ذلك يتم عن طريق ممارسة بعض وسائل الطب البديل، مثل "اليوجا" و"التصور" و"التأمل"، ولكل منها أسلوب مختلف.

وحتى يتم "العلاج بالألوان" بصورة صحيحة وسريعة يجب أن يتوافر اللون المستخدم في عملية العلاج في غذاء الشخص اليومي، مع الأخذ في الاعتبار القيمة الغذائية لهذا الغذاء والتي لا يمكن إهمالها، ومن أمثلة الأغذية المحتوية على اللون الواحد: البنجر والطماطم والبطيخ، وكلها يتوافر بها اللون الأحمر، أما اللون البرتقالي فنجده في الجزر والبرتقال والمانجو، فيما يحتوي التوت والعنب على اللون البنفسجي.


مجالات لاستعمال الألوان:

تعتبر الألوان الشيء الجميل في حياتنا، والتي تعطي الحياة معنىً، فلولا الألوان لما استطعنا تمييز الأشياء، ولأصبحت حياتنا بائسة تفتقر إلى المرح والسرور، حيث إنّها تعتبر باعثاً للحيوية والنشاط والجمال.

ويختلف تأثير الألوان على الإنسان من لون لآخر، حيث إنّ كل لون يمتاز بخصائص معيّنة تكسبه سمات تميّزه عن غيره من الألوان، وهذه السمات تعطي اللون قدرة على تغيير مزاج الإنسان، بالإضافة إلى قدرة بعض الألوان على علاج بعض الأمراض أو التخفيف من حدّتها.


التأثير السيكولوجي للون:

لا يتفق الكثير من الناس على أنّ الألوان تؤثّر على الحالة المزاجيّة للشخص أو على شخصيته، لكنّ علماء النفس أثبتوا أنّ الألوان لها تأثيرها السلبيّ والإيجابيّ على سلوك وشخصيّة الشخص من الناحيتين النفسيّة والروحية، وحتى في المجال الطبي أثبتت العديد من الدراسات أن ضوء الألوان المختلفة يساعد في الشفاء والاسترخاء، فاللون يؤثر فينا من يوم ميلادنا حتى يوم مماتنا، ويستطيع تغيير حياتنا وأمزجتنا، وقادر على تغيرنا فسيولوجيا واجتماعياً ونفسياً كذلك.

تؤثر الألوان على الطبع والمزاج، فتحدث أحاسيس ينتج عنها اهتزازات، بعضها يحمل سمات الراحة والاطمئنان، والآخر يحمل صفات الإرهاق والاضطراب، فاللون يسمو بالروح ويغذي الأعصاب، ويريح الإحساس، وله تأثير واضح في حياتنا اليومية، فمنه ما يحفز الهمة، ومنه ما يحبطها، ومنه ما يوحي بالدفء ومنه ما يوحي بالبرد. وقد يحمل اللون الواحد تأثيراً مختلفاً من شخص إلى آخر كالأخضر مثلًا، فقد يوهم البعض بالقلق والاضطراب ويوحي لآخرين بالخضرة والطبيعة.

لماذا العلاج بالألوان حيث إن هنالك وسائل أخرى عديدة؟

يقول (غاديالي): إن آلاف العقاقير تستخدم في الطب ويسأل: هل من الحكمة إلقاء هذه الكمية داخل الجسم البشري طالما أنها لا تندرج في تركيب الجسم؟ وأضاف: إن المواد الكيميائية هي فعاليات الحياة، ولذراتها تجاذب وتنافر، وإن السعي لإدخال معادن عضوية عشوائياً في آلة عضوية يشبه تغذية طفل رضيع بالمسامير الفولاذية الصغيرة لجعله قوياً.

وهناك نقطة أخرى أثارها (غاديالي) في هذا الخصوص، وهي أن أحد أسباب الأمراض الرئيسة هو انحراف في الجسم نحو أعلى أو أدنى من النسبة المئوية الطبيعية، ولكن الأطباء غالباً ما يزيدون الاختلال دون قصد أو يقلبونه إلى الجهة المعاكسة بعلاجاتهم، ومن هنا تنشأ الأمراض الكثيرة التي تحدثها العقاقير.

وعلى النقيض من ذلك فإن العلاج باللون لا يترك مخلفات مؤدية تحتم على الجسم أن يعمل بجد لطرحها.

كتب الجراح الشهير (هينباج أوغلفي) يقول: (الرجل السعيد لا يصيبه السرطان أبداً، وقد عرفت حالات السرطان تقريباً بعد كارثة ما، حرمان، انفصال علاقة حميمة، أزمة مالية أو حادثة، هذه الحالات عديدة بحيث تعطي الإيماء بأن قوة ضابطة كانت تمنع المرض من الثوران والانتشار قد أزيحت من الطريق).

 

خاتمة:

لعلّ الزمن القادم يفصح عن بعض الأسرار التي كشفها القرآن العظيم عن الألوان وما فيها من بديع صنع الله وقدرته وآلائه، وما أودعها -عز وجل- من أسراره ولطائفه سبحانه وتعالى.

عزيزي القارئ يكفي أن نعلم أنه: من غموض الأزرق خلف السماء وتحت البحر ولدت الفلسفة، ومن خير الغابات الخضراء تعلم الإنسان الأول الأخذ قبل العطاء وهو يقطف ثمار الأشجار. فمع الألوان تعلم الإنسان المعيشة على الأرض، ومن وحي الطبيعة اختار ألواناً للحب وأخرى للحرب.

ترى! هل سيأتي اليوم الذي سنجد فيه معاهد متخصصة للعلاج بالألوان؟ وهل سيصبح العلاج بالألوان هو صيحة القرن القادم؟ نأمل ذلك.

 

مصادر يمكن الرجوع إليها:
◅ كتاب أثر الألوان على العقل والجسم- تأليف الدكتور أحمد حجازي.
◅ كتاب العلاج بالألوان صيحة جديدة في عالم الطب – د محمد السقا عيد.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها