حوارُ الثّقافات.. بين الواقع والمأمول!

محمد نعمان عبد السميع


تواصل الحضارات وحوار الثقافات أمرٌ أزليّ؛ يفرضه الواقع ويدعمه نُموّ الشعوب، وازدهار أو انحسار البلدان. والتواصل الحضاري بين الأقطار كائن شئنا أم أبينا، عن طريق قوافل التجارة أو السياحة، أو الهجرة (أو البعثات العلمية مؤخرًا)، أو غيرها من الطرائق التي يفرضها التعامل والحراك البشري للإنسان في كل مكان.


ثم كانت العولمة بما تحمل في طيّاتها من ثورة في التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة لتشعل نيران التّحديات، وتجعل الحوار أمرًا مهمًا، لامناصَ عنه ولا ابتعاد عن ميدانه، وخصوصًا بعد أن زادت العوملة من وسائل الاتصال ووشائج التواصل التي لم تترك جزءًا من الكرة الأرضية دون أن تصل إليه، وتجذبه في دائرتها ليدور في فلكها.

لقد كان للعولمة دور ملموس في إعلاء شأن حوار الثقافات، وكان لها الدور الإيجابي الذي لمسناه في زيادة إدماج مناطق العالم المختلفة، وتبادل الأفكار وتلاقح الآراء في قضايا الشعوب وما يهم الإنسان في كل مكان، كذلك ساهمت كثيرًا في تقريب الإنسان من أخيه الإنسان، وهيأت له الاطّلاع على كثير من الجوانب التي ظلّت خافية عليه حينًا من الدهر، كما أمّدت الإنسان بزاد من التبادل الثقافي، والتفاعل الحضاري والحراك الإيجابي في كافة الاتجاهات.

ومع هذه الإيجابيات فقد برز في حوار الثقافات بعض السلبيات؛ أبرزها يتمثل في إفراز العديد من الصراعات، وظهور نماذج كثيرة من الجهل وسوء الفهم، لمسناها مع انتشار الإرهاب والاختلاف الاجتماعي بين الشعوب.

ومنذ عدة سنوات ليست بالقليلة برز على الساحة الدولية مدى تدهور العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، وازداد هذا الصراع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتأججت المشاعر ضد المسلمين، وصرنا نلمس مشاعر الغرب في صور عداء شتّى منها الربط بين الدين الإسلامي والأحداث الإرهابية، كذلك الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم وللدين الإسلامي، وأيضًا سوء فهم كثير من الأوروبيين للإسلام ومبادئه.

ورغم هذه الفجوة في العلاقات التي يبعثها الجهل حيناً، وسوء الفهم حيناً آخر؛ فإن حوار الثقافات والحضارات -رغم الضرورة والحاجة إليه- بحاجة إلى إعادة النظر في الأسلوب والطرائق التي يتم بها.

كما أن الحوار يجري –في كثير من الأحيان– داخل الغرف المغلقة، وعبر جلسات محدودة بين النخب المثقفة، ومن ثم أصبح ضروريًا أن يصل الحوار إلى القطاعات العريضة من الشباب، وفي المنتديات واللقاءات التي تعقدها الجامعات ومؤسسات المجتمع المختلفة؛ لإزالة سوء الفهم العالق بأذهان قطاعات كبيرة من الأوروبيين، وتعريفهم صحيح الإسلام وقيمه السمحة، ومبادئة التي تنهض ببني الإنسان في كل مكان.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها