فن الفرجة.. في مسرح محفوظ عبد الرحمن

بين الحيلة والإمكانية

د. أميرة الشوادفي بسيوني


إنه فن الحياة وفن الممكن والقول، فيه تكمن البراعة وتوثيق المواقف بشتى أنواعها، يختزل الحياة بسخرياتها وحلوها ومرها، يكشف الإنسان أمام نفسه دائماً.. إنه المسرح وأي شيء غير المسرح؟ من أولئك الذي برعوا في هذا الفن الكاتب المسرحي محفوظ عبد الرحمن في كتابة النص المسرحي التراثي والمعاصر، استوحى نصوصه المسرحية من تراثنا العربي الثري وذهب إليه بوعي إنساني باحث ومتأمل، ومستثمر مخيلته الجامحة الخصبة في صياغة وتشكيل مفرداتها وعناصرها بعيدًا عن هذه الأدلة التي شوهت العقول والتراث العربي، لذلك لُقب بـ(حارس بوابة التراث العربي)، أو (حكاء سيرة أهل الفن)، كما عبرت مسرحياته عن هموم الإنسان العربي في كل البلدان العربية التي قدمت فيها بشكل لا يشعر المتلقي بالانقطاع أو الانفصال عن واقعه، حيث يطوع العناصر زمنياً لتخاطب اللحظة الراهنة، وللتتفاعل مع قضايا العصر في الوطن العربي.

 

تدور مسرحيته (حفلة على الخازوق) في عالم مستلهم من عالم الليالي "ألف ليلة وليلة"، حيث المكان غير محدد والزمان غير معروف، حيث استلهم المؤلف في مسرحيته قصة امرأة ماكرة من بنات التجار من ألف ليلة وليلة، وخاصة حكاية الوزير السادس لكيد النساء.
 وخاصةً حكايات الشطار والمغامرين لما تتمتع به من قدر كبير من الجاذبية والشعبية، بحيث أصبح مضمونها مفضلا أو مصدراً لاستلهام الكثير من الأعمال الكتابية عند معظم شعوب العالم، سواء على مستوى الأدب الكلاسيكى أو الأدب الشعبي، وفي كتب الأدب الشعبي نرى أن الشطار من الشخصيات الرئيسة في "ألف ليلة وليلة"، ويغلب عليها اسم الشاطر حسن أو الشاطر محمد، فهي تكاد تجمع معظم الخصائص التي اشتهر بها الشطار في الأدب العالمي ذلك أنها مزيج من الدهاء، والذكاء، والخبث، وسرعة الحركة، والشجاعة والإقدام، بحيث تشكل مركز الاهتمام ومحور الحيوية في مجال توظيفه.

ويأتي الاستلهام من فئة الشطار أو البطل الشعبي لما له من سمات عديدة تميزه وتبرزه عن غيره من الشخصيات، أبرزها هي رفضه للواقع الاجتماعي، ليس لأن المجتمع يعتبره طفيليًا وخارجًا على تقاليده ولكن لأنه يرى ما لا يراه الآخرون، ومن ثم فإنه يدرك كل السلبيات والثغرات التي تشوه كيان الإنسان اقتصاديًا واجتماعيًا وأحيانًا سياسيًا، ولذلك فهو يسخر من المُجتمع بلا رحمة، لشخص الناس الذين يعتبرون أنفسهم أعمدته وسندته، وهو عملي في تفكيره، إذ إنه لا يرفض أي مغنم يحصل عليه بل يسعد به ويسعد الآخرين به، وخاصة الذين حرموا منه.
 

البناء الدرامي للمسرحية

نرى غرفة مدير السجن الذي نراه قلقاً لأن الوالي لم يعد يوليه أي اهتمام، ومن ثم يتصور أن أعداءه والحاقدين عليه قد وشوا به عند الوالي، ويقنعه بمساعدة الخبيث التابع الطائع له المحتسب بأن خير طريقة لكسب رضا الوالي في صفه هي إقناعه بأن حياته في خطر، وأن هناك مؤامرة خطيرة تدبر لاغتياله، ولكن بفضل يقظة مدير السجن وإحباطها والقبض على مُدبرها، وحينئذ سيدرك الوالي أنه لا يستطيع الاستغناء عنه فيرسل مدير السجن المساعد جنديًا ليقبض على أي شخص يتجول بالقرب من قصر الوالي ليكون كبش الفداء الذي يقدمونه للوالي تأكيدًا لصدق ولائهم ويقظة عملهم، ونلمس ذلك في الحوار التالي:
الجندي: اليوم الجمعة.. لم نجد سواه يسير إلى جوار قصر الوالي..
حسن: أفهم.. أفهم.. أريد أن أفهم.
المدير: إنه خطير جداً.. إنه يريد أن يفهم.. هل وصل الناس إلى هذا المستوى؟
حسن: لو كان فيكم رجل.. رجل بمعنى الكلمة.. فليقل لي ماذا فعلت؟
المساعد: يا غبي.. ألم أقل لك أن تأتي برجل طيب.. شريف.. هادئ.
حسن: أنا الرجل الشريف الطيب الهادئ.

ويتكشف الحوار عن حسن المراكبي الذي كان في طريقه للقصر ليطلب مقابلة الوالي ويحكي له رؤية مخيفة، إذ طرأت له في الحلم قطيع من الجراد المخيف قد هاجم البلاد.

في المشهد الثاني ولم يكتف المؤلف بذلك بل صال وجال في العمق الدرامي المؤثر؛ حيث وضع حسن في السجن متهمًا بتدبير مؤامرة لاغتيال الوالي، وهي تهمة أقل عقوبة لها هي الإعدام على الخازوق، وفي السجن تزوره صديقته الجميلة هند للتأكد من براءته وتعرف من الذي سجنه لتسعى في الإفراج عنه، فتوظف دلالها في الوصول إلى غرفة سجن حسن، فترشي الجندي بدينار ذهب يأخذه ويخرج، ويدور حوار في هذا المشهد بين هند وحسن، لم يكشف القدر الكافي عن قوة حب هند ل حسن، فهل تعطف عليه أم تحبه.. فلا شيء يقف في طريقها بعد أن مات زوجها الذي لا نعرف عنه شيئًا.. ليست ملاكاً حتى تعيش بهذه الطريقة.. لكنها تريد أن تهب للرجل الذي تحبه.. وحسن هذا الرجل.. رغم فقره.. لا نعرف سبب اختياره.

الأمل والممكن:

يظهر في تجلي البطل حسن الذي لم يعد لديه في الخروج من السجن بمساعدة محبوبته هند ويعتقد أنه من درب المستحيل، في حين توضح له هند أنه بدينار يعيده إلى حيث كان، وعشرة دنانير تذهب به إلى السند، وأمام إصرار هند لمعرفة من الذي سجنه لتسعى للإفراج عنه.. يخبرها حسن أنه مدير السجن، فتحاول هند رشوة الجندي لتهريب حسن من السجن.. فيخبرها الجندي أنه لا يستطيع تهريبه لأنه سيعرض بذلك حياته للخطر، كما يوضح لنا هذا المشهد عدم اقتناع هند بحلم حسن بالجراد.. بل وتسخر منه.

ثم ينقلنا المؤلف إلى المشهد الثالث؛ حيث غرفة مُدير السجن نفس المشهد الأول.. حيث يدور حوار بين المدير والجندي يكشف لنا مدى البيروقراطية في تنفيذهم للنظام وفي عد أرقام الملفات والمرسومات التي تحدد النظام داخل السجن، ثم يخبر المساعد المدير بأن هناك امرأة تريد مقابلته، فيتعجب في سخرية من وجود هذه الفوضى داخل مبنى السجن، ثم تقابل هند مدير السجن لترجوه أن يفرج عن حسن مدعية أنه أخوها الوحيد.

المرأة والحاجة:

فيقتنع مدير السجن بحجة هند لا بتوسلاتها وإلحاحها ولكن بجمالها:
هند: لا تتصور مدى خوفي.. خائفة من اللصوص والشطار وقطاع الطرق والطامعين في أرملة جميلة.
المدير: بصراحة هذا ظلم.
هند: إذن متى تخرج؟
المساعد: يوم الجمعة.
هند: لكن يوم الجمعة بعد ثلاثة أيام.. الزنزانة باردة على حسن.
المدير: اطمئني.. سآتي لك يوم الخميس ومعي صك الإفراج.. أين البيت؟
هند: آخر بيت في شرق البلد.. على شاطئ البحر.. قبل السور الأبيض مباشرة.. له حديقة جميلة.. مليئة بشجر الرمان.

وحين تراوغه هند زاعمة أن العلاقة السليمة بين الرجل والمرأة تكون بلا شروط مجحفة، أي تريد أن يفرج عن حسن أولا لكي يتاح لها فرصة التفكير في الزواج منه، فتساومه على الإفراج عن حسن مقابل قضاء ليلة في منزلها، لينتهي المشهد على سخرية المدير ومساعده من هند ومن وعده الزائف غير الحقيقي لها للإفراج عن أخيها حسن، فهو وعد القوى للضعيف ليؤجل الإفراج أسبوعاً بعد أسبوع.

كما نلمس مدى خبث ودهاء مساعده. وبالفعل لا يستطيع مدير السجن الاستغناء عنه لذا فهو يوافق مساعده في كل حيلة وأساليبه الماكرة.

المحتسب والجاه والسلطة.. والأزمة:

ينقلنا المؤلف إلى الفصل الثاني.. وفي المشهد الأول بين هند والمحتسب: عندما يسألها المحتسب لماذا تطلب منه العدل بالذات، تجاوبه هند لكونه حارس العدل في البلاد، فيساعدها المحتسب في الإفراج عن حسن عن طريق ذهابه إلى مدير السجن رغم عدم ارتياحه له، إلاَّ أنه سوف يأتي بصك الإفراج منه مقابل أن يساومها هو الآخر بشكل شرعي؛ أي بالزواج منها ويتعهد بالإفراج عن أخيها إذا وافقت على الزواج ليلة واحدة يطلقها بعدها ويدفع لها نفقتها ومؤخر صداقها. وتتوالى أحداث المسرحية فتتظاهر هند بالموافقة في سبيل الإفراج عن حسن حبيبها.

تتشابه شخصية "هند" في مسرحية "حلفة على خازوق" في حيلها وأساليبها في سبيل الإفراج عن محبوبها حسن، وبين امرأة من بنات التجار ذكرها المؤلف المجهول لحكايات "ألف ليلة وليلة"، خاصة حكاية "الوزير السادس في كيد النساء".

وفي المشهد الثاني وهو يمثل حالة التيه التي تنتاب هند في الديوان لتجد المساعد وهو نفسه المساعد الكاتب، وتصطدم هند بأن ديوان الوزارة لا يعبأ بمصالح المواطنين أو المساهمة في حل مشكلاتهم وشكواهم، بل هو مكان تجمع لجواري الوزير يختار كل يوم جارية حسناء جديدة ويدفع ثمنها للنخاس، ولكن ليس من أمواله كما يقول والوزير لهند، بل من أموال المخصصات الوزارية، وعندما تقف هند في انتظار الوزير يعتقد الوزير أنها جارية مثل باقي الجواري، فتخبره بمدى ضيقها من مدير السجن الذي حبس أخاها حسن المراكبي، وتشكو أيضًا من المحتسب الذي يريد أن يراودها عن نفسها فيطمئنها ويوعدها بخروج أخيها من السجن في مقابل قضاء ليلة واحدة بمنزلها.

حيلة هند:

كما نرى توظيف المؤلف للتراث في حيلة هند مع الوزير وما جاء ذكره في ألف ليلة وليلة، خاصة حكاية الوزير السادس في كيد النساء عن امرأة من بنات التجار، خرجت من عند القاضي إلى منزل الوزير فرفعت إليه قصتها وشكت إليه ما حدث لأخيها وأن الوالي قام بسجنه، فكلمها الوزير كما كلمها القاضي وقال لها: لا نطلق سراح أخاكِ حتى تدخلي بيتي، فقالت له: إن أردت شرفني في منزلي، في الموضع الفلاني. وواعدته على ذلك اليوم، ثم خرجت من عنده إلى ملك المدينة ورفعت إليه قصتها وسألته إطلاق سراح أخيها.

فقال لها: ومن حبسه؟ قالت له: حبسه الوالي.. فلما سمع الملك كلامها أمرها أن تدخل القصر حتى يرسل إلى الوالي ويخلص أخاها.. فقالت: إذا جاء الملك إلى منزلي يشرفني بنقل خطواته الكرام.. فقال لها الملك: لا نخالف لك أمراً.. فواعدته باليوم الذي واعدت فيه غيره وعرفته منزلها.

كما بلور المؤلف في هذا المشهد حوارًا مبطنًا بالسخرية والتهكم وذلك خلال رحلة هند بين كبار المسئولين في الدولة لتكتشف المفاسد، والسرقات، والرشاوي واستغلال النفوذ، وتبادل المصالح، وبيع الأعراض.

الاستسلام:

نرى هند لا تستسلم للواقع المفروض؛ وإنما نراها تصعد شكواها إلى أكبر مسؤول في البلاد الوالي، ومعها الدليل الذي يدين كل رجال دولته، فلذلك تتفق مع نجار أن يعد لها صندوقًا كبيرًا مقسمًا إلى أربعة أقسام.. كل قسم منها يتسع لإخفاء رجل.

في حين يريد النجار ثمن عمله فيخبرها أنه سيعود بعد ساعة حتى يحصل على أجرته، ونجد تشابهًا إلى حد كبير بين نجار محفوظ عبد الرحمن، ونجار حكاية الوزير السادس في كيد النساء، فجاءت امرأة إلى رجل نجار وقالت له: أريد منك أن تصنع لي حزانة بأربع طبقات بعضها فوق بعض، كل طبقة بباب يقفل عليها وأخبرنا بقدر أجرتك فأعطيك.

فقال لها: أربعة دنانير، وإن أنعمت علي أيتها السيدة المصونة بزيارتك فهو الذي أريد ولا آخذ منك شيئاً، فقالت له: إن كان لا بد من ذلك فاعمل لي خمس طبقات بأقفالها، وواعدته أن يحضر لها بالخزانة في ذلك اليوم بعينه، فقال لها النجار:
 يا سيدتي اقعدي حتى تأخذي حاجتك في هذه الساعة، وأنا بعد ذلك أجيء على مهلي، فقعدت عنده حتى عمل الخزانة بخمس طبقات وانصرفت إلى منزلها في حين يصل الوزير في الموعد المتفق عليه متعجلاً قطف الثمرة؛ لأنه مشغول بأعباء كثيرة، فهناك جواري أخريات وليس لديه وقت يضيعه، ولكن هند تحاوره وتداريه، ثم تدعي أن زوجها الفارس الغائب الذي اعتقد الجميع أنه بعد انتهاء الحرب قتل في ميدان القتال، قد شفي من جراحه وعاد اليوم فجأة، وأنه الآن يزور والدته وسوف يعود إلى المنزل في أي لحظة.

وما تكاد هند تنتهي من حديثها حتى يطرق الباب بعنف تتظاهر بمشاعر الفزع  والمفاجأة.. فها هو ذا زوجها قد عاد وهو غيور جدًا ومندفع، فيرتبك الوزير ولا يجد مفرًا من طاعتها والاختباء في القسم الأسفل من الصندوق لحين خروج زوجها من المنزل، وتتشابه حيلة هند للوقع برجال الدولة في صندوق واحد لتكشف أغراضهم الدنيئة، وبين حيلة كيد المرأة في "ألف ليلة وليلة"؛ إذ تقول شهرزاد وإذا هو الوزير قد أقبل فلما رأته وقالت له: يا سيدي لقد شرفتنا بقدومك في منزلنا مولانا، ثم أجلسته وقالت له: أخلع ثيابك وعمامتك وألبس هذه الخفيفة، فخلع ما كان عليه وألبسته غلالة زرقاء وطرطوراً أحمر فهذه الساعة للمنادمة والبسط. فبينما هما في الكلام وإذ بطارق يطرق الباب.. فقالت له: زوجي. فقال لها: كيف التدبير؟ فقالت له: قم وأدخل هذه الخزانة حتى أصرف زوجي وأعود إليك ولا تخف.. ثم إنها أدخلته الطبقة الثالثة وقفلت عليه.

ثم تتوالى الأحداث في المسرحية؛ إذ يتكرر الموقف نفسه في المشهد الثاني مع كل من "المحتسب"، و"مدير السجن"، ومن النجار الذي كان ساومها هو الآخر مقابل ثمن الصندوق التي لم تدفع ثمنه، ويدور حوار بين الأربعة داخل الصندوق، يحاول كل منهم أن يتخلص من حبسه داخل الصندوق ولكن دون جدوى.

المحتسب: لا شك أن الوالي سيدرك غيبتنا.. ويأمر بالبحث عنا في كل مكان.. يا ساتر.. صداع فات موعد قهوتي.
النجار: وأنا أسوأ من هذا.. وذلك.
المحتسب: فهمت.. إياك يا نجار.. أصبر.. غداً يأتي الفرج.
النجار: غداً؟ غداً أكون قد فككت نفسي عشر مرات على الأقل.
المدير: هذا هو عيبنا يا أولاد العرب.. لا نعرف النظام.

ثم ينقلنا المؤلف للمشهد الثالث.. إذْ هند تعود معها حسن والوالي ليتأكد بنفسه من صدق أقوال هند.. فيصطدم برؤية كبار الدولة وأعوانه في هذا الوضع المزرى، فيعزلهم جميعاً من مناصبهم، ويأمر بالتحقيق معهم.. فلقد خانوا الأمانة.

يرسل في استدعاء الحاجب ليعهد إليه بكل مسؤولياتهم، وسرعان ما يصل الحاجب ليتبين لنا أنه هو نفسه مساعد مدير السجن، وكاتب المحتسب ووزير الوزير، فكأن شيئاً لم يتغير، فالكاتب يلح هنا على فكرة مهمة جداً أنه ما دامت البطانة الفاسدة كما هي - الوزير، النجار، المحتسب، المدير- فلن يتغير نظام الحكم وسيظل الظلم ضارباً بأطنابه في البلاد، وما دام الوالي غير واع لهؤلاء الحكام الذين يعملون تحت إمرته لن يسود العدل أبداً، وأن غيبة العدل يمكن أن تدفع بالرعية إلى حالة من الوهم يعتقد فيها أن العدل آت ما داموا لا يتحركون للحصول عليه، فالوالي في أحد المشاهد يشير إلى ثمن البحث عن العدل.

الوالي: لقد جئت إلى هنا أبحث عن الحق.. وسأصل إليه مهما حدث.. فليكن ثمنه غاليًا.. ولكن يكفيني أنني عشت في وهم العدل سنوات.. علينا جميعاً أن ندفع الثمن غاليًا حتى نصل إلى بارقة أمل. ولكن أي ثمن هو الذي يجب أن ندفعه على حد قول الوالي، ربما يظل الحديث الذي يصدر عن الحاكم دائمًا شعارات نطلقها، وهكذا تتكشف لنا أن حيلة وأساليب هند الماكرة تهدف إلى كشف زيف رجال الدولة وأغراضهم الدنيئة أمام الوالي، في حين كانت مكيدة المرأة في حكاية "الوزير السادس في كيد النساء" بسبب سوء تدبير المرأة وسخافة عقولهم وسوء تدبيرهم.

ولقد استفاد المؤلف من أسلوب تكنيك القصة القصيرة في خاتمة المسرحية التي جاءت مركزة سريعة، بأسلوب الومضة المفاجئة التي ما تكاد تضيق حتى تختفي، وأيضًا وُفق في حواره الذكي المرح المختصر، وخاصة في الفصل الثالث بعد لقاء هند بالوزير.

فإذا بنا في المشهد التالي نرى الرجال الأربعة داخل الصندوق، والصندوق نفسه.. إنه أقرب للمشهد السينمائي منه للمشهد المسرحي، ولقد استطاع المؤلف أن يمزج بين أسلوب الكتابة للسينما وأسلوب الكتابة للمسرح، فمسرحيته أشبه بسيناريو فيلم؛ حيث المشاهد ذو الإيقاع السريع، وحيث الانتقال من مشهد إلى مشهد.. فهذه هي الوسيلة الأساسية للتعرف على شخوصه وملامحهم وطرق تفكيرهم.

 

صورة المقال: من عرض مسرحية "حفلة على الخازوق" - إخراج: زيناتي قدسية (دمشق - سوريا) 2018

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها