(على رأي المثل..!!) عبارةٌ كثيرًا ما تتردد داخل الرواق الشعبي العربي، وذلك في مواقف متباينة، فقد تسمع المثل يقال في مواقف تستدعي التهكم والسخرية، أو الحكمة والعظة، أو الفكاهة والطرافة. الأمثال العربية: هي عبارات قصيرة وموجزة، لكنها تحمل قيمة عظيمة، فهي ذات معانٍ كبيرةٍ وعميقةٍ، ومفعولها ساحر، فهي صدرت عن أشخاصٍ من عموم الناس، من طبقة البسطاء الذين اشتبكوا مع الحياة، فسجلوا تجاربهم في صورة جمل دقيقة وموجزة يتخللها غالبًا فن السجع والموسيقى، والأمثال صالحةٌ للاستفادة منها في أي وقت فهي عصارة تجارب الشعوب، والحكمة المزجاة، والمرآة التي ترى فيها الشعوب تراثها القديم، ومعتقداتها وأعرافها السائدة.
الأمثال منها ما هو مستمٌد من التراث الأدبي أو من الأغاني الشعبية، فهي دروس حياتية تساهم في تشكيل أنماط وقيم المجتمع، لذلك وضعها المفكرون والأدباء والباحثون موضع الدراسة، بل اهتم القدامى من المؤرخين بها، وتعهدوها بالدراسة والنقل، فجمعوها في كتب الأمثال كي لا تضيع وتندثر مثل كتاب (في أمثال العرب) للزمخشري وكتاب (جمهرة الأمثال) للعسكري.
تعد الأمثال الشعبية حكماً واسعة الانتشار بين طبقتي العوام والمثقفين سواءً بسواء، لأنها تجربة شعبية طويلة، عاش في كنفها الصنفان، وهي لونٌ أدبيٌ معبر عن ثقافة الشعب بمقولة طريفة تتردد على ألسنة الناس لتقدم لهم وجبة دسمة عظيمة الفائدة تلخص تجاربهم الإنسانية.
في كتابه (ديوان الأدب) حدثنا "الفارابي" عن المثل الشعبي يقول: (هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم واقتنعوا به في السراء والضراء، ووصلوا به إلى المطالب القصية، وهو أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص، ولذا فالمثل قيمة خلقية مصطلح على قبولها في شعبها، وهو يمر قبل اعتماده وشيوعه في غربال معايير الشعب، وينم صراحةً أو ضمنًا عن هذه المعايير على كل صعيد، وفي كل حال يتعاقب عليها الإنسان في حياته).
يقول الفقيه البصري "إبراهيم بن سيار النظام" عن المثل: (يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة).
وقال "ابن المقفع": (إذا جعل الكلام مثلاً كان أوضح للمنطق وآنق للسمع وأوسع لشعوب الحديث).
صائغ المثل الشعبى: لا بُدّ أن يكون حكيماً ولديه موهبة خاصة في إتقان اللهجة الشعبية، بليغاً في انتقاء الألفاظ ويحسن استخدام السجع والطباق، ويجنح بخيال المتلقي بعيداً، مع ملاحظة عدم الإسهاب والإيجاز، وذلك باختصار المعاني الطويلة في ألفاظٍ معدودةٍ بدون إخلالٍ بالمعنى.
قصص الأمثال الشعبية العامية
لكل مثل شعبي قصة حقيقية نبع منها جملة المثل القصيرة، فتلك الجملة مأخوذة من التراث الشعبي، وهناك أمثلة لقصص بعض الأمثال الشعبية التي رددتها ألسنة الناس:
◅ (اللي ميعرفش يقول عدس)
يقال هذا المثل عندما يتعامل الشخص مع أناس يجهلون حقيقة أمر ما، ويتحدثون عنه بجهل، وترجع قصة المثل إلى تاجر كان يبيع عدساً في دكانه ووثق هذا الرجل في زوجته فترك لها دكانه وذهب ليشتري بضاعة، وعندما رجع لدكانه وجد زوجته تخونه مع شاب داخل الدكان، فغضب الرجل وجرى وراء الشاب الذي من ذعره تعثر في شوال عدس فانكب الشوال بكل ما فيه عليه، وعندما شاهد الناس هذا المشهد ظنوا أن التاجر يضرب الشاب ضرباً مبرحاً لأنه سارق، فعنفوا التاجر لقسوته في ضرب الشاب بسبب شوال عدس وقالوا له أما في قلبك رحمة!! فرد التاجر الذي عجز عن إفصاح حقيقة الأمر الفاضحة بقوله (اللي ميعرفش يقول عدس).
◅ (اللي اختشوا ماتوا)
ويقال هذا المثل على المرأة التي لا تعرف الحياء وتتصرف ببجاحة، وترجع قصة المثل لأحد الأيام في زمن الحمامات التركية حينما نشب حريق هائل فيه، مما تسبب في ذعر وهروب بعض النساء من الحمام عاريات، لكن بعضهن أبى أن يخرج عارياً وفضّل الموت حرقاً بسبب خجلهم من الخروج عاريات، فكان مصيرهن الموت حرقاً، لينتشر بعدها مثل (اللي اختشوا ماتوا).
◅ (جت الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح)
وهو من أكثر الأمثال الشعبية المتداولة في مصر والوطن العربي، وفي الدول العربية (مالقت إلها مطرح) وفي هذا التفصيل سر قصته، حيث تعود قصة المثل الشعبي الشهير إلى إحدى القرى العربية التي كانت بها عائلة كبيرة تشتهر بكرم الضيافة، وكان لقبها "تفرح"، وكانت لديهم امرأة جميلة جداً تسمى "حزينة"، وفي إحدى الليالى نزل شاه بندر التجار والذي يدعى "مطرح" إلى هذه القرية، وقرر أن ينام بها ليلة واحدة، فدلوه أهل القرية على بيت "تفرح" لكبر مساحته وضيافته، وبعدما وصل إلى المنزل رأى ابنتهم "الحزينة" فقرر أن يخطبها لابنه الذي يدعى "إلها" وتمت الخطبة بالفعل، لكن كانت الحزينة عصبية، وقبل عرسها بوقت قليل نشب خلاف بينها وبين خطيبها، إلا أنها اعتذرت له، وعندما جاء موعد الفرح انتقم منها "إلها" ولم يأت الفرح، فأنشد المدعوون (جت الحزينة تفرح ما لقت إلها مطرح).
نماذج لأمثال شعبية أُخرى
◅ (امشى عَدَلْ يحتار عدوك فيك)؛ بمعنى اسلك النهج المستقيم يحتار عدوك في كيفية إيذائك.
◅ (مراية الحب عميا)؛ يقال عندما لا يرى المحب عيوب حبيبته.
◅ (خدوهم بالصوت ليغلبوكم)؛ يقال لمن يبادر بالصياح وعلو صوته ويتهم غيره، ليشغل الآخرين بالدفاع عن أنفسهم بدل أن يفكروا في اتهامه هو.
◅ (عصفور في اليد خيرٌ من عشرةٍ على الشجرة)؛ بمعنى القليل المضمون خيرٌ من الكثير غير المضمون، حتى ولو كان أضعافه.
◅ (القفة اللى ليها وذنين يشيلوها اتنين)؛ يضرب هذا المثل على التعاون بين الناس في حمل المسؤوليات ما دام ذلك متاحاً.
◅ (إن غاب القط العب يا فار)؛ يضرب هذا المثل للفوضى التي تحدث عند غياب المسؤولين.
◅ (ضربني وبكى وسبقني واشتكى)؛ يضرب هذا المثل للشخص الذي يعتدي على غيره، ثم يدّعي أنه هو المعتدى عليه.
◅ (الطمع يقلل ما جمع)؛ أي لا يظن إنسان أنه بالطمع يكون له أكثر، فلربما يقل ما لديه.
◅ (اشتر الجار قبل الدار)؛ أي قبل أن تشتري مسكنك ابحث من سيكون جارك فيه، خوفاً من أن يكون شخصاً سيئاً أو مؤذياً.
◅ (لا تعايرني ولا أعايرك ده الهم صايبني وصايبك)؛ أي لا داعي أن تعيب أحداً على شيء أنت واقع فيه، ولا تشمت في مصيبة أحد، وأنت واقع في نفس المصيبة.
◅ (جَ يكحلها عماها)؛ يضرب هذا المثل لمن يحاول إصلاح أمر ما فيفسده، كطبيبٍ تسبب في وفاة مريضه أثناء علاجه.
◅ (يعمل من الحبة قبة)؛ يضرب هذا المثل لمن يبالغ في الأمور ووصف الأشياء.
الأمثال العربية الفصحى
منذ القدم كان راوية الأمثال العربية يهدف لحكمة تحمل قيمةً عظيمةً مستوحاة من التراث العربي، كالشعر والبيئة العربية ومن أمثلتها:
◅ (لا في العير ولا في النفير)؛ يقال في من لا دور لهم في الشؤون والأحداث المهمة، وقد قيل أثناء غزوة بدر من كفار قريش عندما طلب "أبوسفيان" من"بني زهر" المشاركة في الحشد لإنقاذ القافلة العتيدة، رفضت "بنو زهر" المشاركة في قتال جيش الرسول صل الله عليه وسلم بحجة أنهم ليس لهم سهم في تجارة "أبي سفيان"، فوصف أحدهم "بني زهر" بأنهم لا في العير ولا في النفير؛ أي ليس لهم نصيب في جمال التجارة (العير)، أو في جمال وخيل القتال (النفير).
◅ (شر أيام الديك يوم تغسل رجلاه)؛ يقصد إلى أن غسل رجل الديك يكون بعد الذبح والتهيئة للاستواء، ومن ثم نهاية حياته.
◅ (الخَيلُ أعلمُ بفرسانها)؛ يعني أن الخيل قد اختبرت ركابها، فهي تعرف الكفل من غيره.
◅ (اختلط الحابل بالنابل)؛ يعود أصل هذا المثل إلى أن الراعي بعد موسم عشار الماعز يفصل القطيع، فيجعل المعاشير وهي الماعز الغزيرة باللبن والتي تسمى (بالحابل) على جهة، وغير المعاشير والتي تسمى (النابل) على جهة أخرى، وذلك لبيع غير المعاشير على حدة، ويحتفظ بالمعاشير لتدر عليه أرباحاً وافرة، فيحدث في كثير من الأحيان أن تختلط المعاشير مع غير المعاشير، فيستاء من ذلك الراعي ويقول: اختلط الحابل بالنابل.
◅ (أكل عليه الدهر وشرب)؛ يضرب هذا المثل لمن طال عمره، ويعنون بذلك أنه أكل وشرب دهراً طويلاً.
(بلغ السيل الزبى)؛ يضرب هذا المثل حينما تتجاوز الأمور حدودها، بشكل يستنفذ فيه الصبر، فيثور الشخص غضباً، وترجع قصة المثل لرجل كان مختصاً باصطياد الأسود، وفي سبيل صيده للأسود كان يستخدم حفراً لإسقاطهم فيها، والزبى معناه حفرة، وفي أثناء حفره الحفرة لسوء حظه جاء المطر سيلاً عظيماً فوق الزبى (الحفرة)، ففسدت الحفرة بسبب المطر فقال: بلغ السيل الزبى.
◅ (العجلة من الشيطان)؛ يضرب هذا المثل بقصد التروي والتفكير، وعدم التسرع قبل الإقدام على الأمر.
أمثال شعبية مأخوذة من "القرآن الكريم" و"السنة النبوية"
ومن عظيم شأن الأمثال العربية وأهميتها جاء ذكرها في القرآن الكريم في آيات كثيرة، وتعتبر أمثال القرآن والسنة من أكمل الأمثال وأعظمها فائدة؛ لكون القرآن والسنة هما مصدرا التشريع عند المسلمين، لذلك أخذ المسلمون من بعض الآيات والأحاديث نصوصاً استشهدوا بها على بعض الحوادث التي يألفونها في حياتهم، وتناقلوا تلك النصوص جيلاً بعد جيل، وأصبحت تلك الأمثال القرآنية أو النبوية أوقع في نفوس المتكلمين بها والسامعين لها من حيث قوة المبنى واكتمال المعنى بالإضافة إلى تعظيم هذه الأمثال في نفوس المسلمين، ومن نماذج الآيات التي جرى استعمالها على ألسنة الناس بنص بعض الآية، أو الحديث الذي جاء فيه المثل، أو بالمعنى، كقولهم {كالحمار يحمل أسفاراً}، {الآن حصحص الحق}، {صمٌ بكمٌ عمي}.. إلى غير ذلك من الأمثال الفصيحة والبليغة.
ومن أمثلة الأمثال المأخوذة من السنة النبوية: (اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه) مثل شعبي له أصل في الحديث النبوي، قال الرسول صل الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبداً نادى يا جبرائيل إني أحب فلاناً فأحبه، ثم ينادي "جبرائيل" في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، ثم توضع له المحبة في الأرض).