للرواية النسائية تحولاتها.. شأنها شأن الرواية التي يكتبها الرجل؛ لأنها -مهما حاول النقاد تضييق رؤيتها وحشرها في زاوية المرأة- استطاعت أن تستجيب للواقع وتحولاته، وأن تختبر وجودها في الرؤى المختلفة، خاصة بعد الانفتاح المعرفي والتكنولوجي الذي وسع مجالات الإبداع بشكل عام، وإبداع المرأة على وجه الخصوص.
ولعل المتابع للكتابة النسائية وخاصة في حقل الرواية في عصر الإنترنت، يلحظ تلك الطفرة الروائية التي وسعت مساحة الكتابة النسائية، على المستويات المختلفة سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع، دون أن يغفل المتابع عن كثرة الأسماء النسائية التي أصبحت حاضرة بشكل ملفت على الساحة الإبداعية والثقافية.
وحين نرصد الموضوعات التي كانت الشاغل للرواية النسائية منذ خمسينيات القرن الفائت وحتى تسعينياته، سنجد أنها كانت محصورة في قضايا تتصل بالمرأة وعلاقتها بالرجل، كالزواج والطلاق والحرية والعنف، وغير ذلك من القضايا التي تسربت إلى الروايات من أفكار الحركات النسوية العالمية والعربية.
إلا أن تطور الأحداث السياسية وتحولات الواقع الثقافي والمعرفي، وسع الموضوعات التي تناولتها الرواية النسائية خاصة بعد ما شهدته الساحة من ثورات الربيع العربي، لتنفتح الرواية النسائية على موضوعات إنسانية أكثر استجابة لتحولات الواقع، فكان موضوع الحرب واللجوء وموضوع الاغتراب النفسي والجسدي والفكري.
وسنشير في هذا المقام إلى أربع روايات نسائية وصلت إلى جوائز عربية كجائزة البوكر، وإن اقتصر وصولها بعض الأحيان إلى القائمة القصيرة، إلا أنها تعتبر إضافة إلى المشهد الروائي النسائي، دون أن نغفل عن الروايات التي حصدت جائزة البوكر كرواية طوق الحمام للروائية السعودية رجاء عالم.

والروايات الأربع التي انفتحت بموضوعاتها على الأفق الإنساني هي رواية (بريد الليل) هدى بركات، ورواية (شمس بيضاء باردة) كفى الزعبي، ورواية (النبيذة) إنعام كجه جي، ورواية (صيف مع العدو) شهلا العجيلي.
تطرح رواية بريد الليل قضايا الغربة والقلق والقهر الإنساني والقلق الوجودي، التي تعاني منها شخصياتها المهمشة من خلال خمس رسائل مختلفة، تبين أحوال الشخصيات والمآسي التي مرت بهم في حياتهم، حيث يدخل القارئ في علاقة وجدانية مع تلك الشخصيات ومصائرها.
وبالتالي كان موضوعها موضوعاً إنسانياً بعيداً عن موضوعات المرأة التقليدية التي طرحتها الرواية النسائية.
فالرواية وسعت موضوعها وقضاياها وخطابها لتنفرد بخطاب روائي مكثف اللغة والرؤية التي تسعى إلى تقديمها عبر تلك الرسائل المتفرقة والأشخاص المقهورين.
أما رواية (شمس بيضاء باردة) فتلجأ إلى التراث الأسطوري الإنساني، كأسطورة (جلجامش)، وأسطورة (سيزيف) لتقدم حكاية البطل (راعي) الذي يضع ذاته في مواجهة العالم، ومن خلال هذه المواجهة تنقل لنا الرواية عبر رؤية فلسفية منفتحة على الأسئلة الوجودية والواقع السياسي والاجتماعي حياة شخصية قلقة تجد نفسها في علاقة مع الآخرين الذين يحيلون الحياة من حولها إلى جحيم.
الرواية بمجملها تدور حول هذا البطل وصراعاته وأفكاره الشخصية وأزماته ومعتقداته بشكل عام. لتقدم صورة للإنسان العربي المأزوم والمهزوم الذي يواجه مصيراً مجهولاً بعد ثورات الربيع العربي. التي وضعت الإنسان العربي أمام أزمتين أزمة الذات وأزمة العالم.
لتبدأ رواية (النبيذة) من ثورات الربيع العربي مع حكاية امرأة تعود بنا إلى أيام الثورات العربية القديمة والانقلابات والأحداث الكبرى التي عصفت بالأمة العربية منذ عهد الملكية حتى الجمهورية، وما بينهما من مظاهرات وحروب وحركات تمرد في أرجاء الوطن العربي كله، حيث تدور الأحداث بين ثلاث شخصيات رئيسية (تاج الملوك) العجوز التي تعيش صراعاتها بين الماضي والحاضر... و(ديان الملاح) الشابة المغلوبة على أمرها... و(منصور البادي) الصحفي الفلسطيني الذي يحمل همًا آخر، وحكاياتٍ أخرى، ويحمل مع كل ذلك مأساة بلاده، لتقدم الرواية عبر رجل وامرأتين صورة للهم العربي والصراعات والحروب والمظاهرات والثورات دون أن تغفل عن الهم الشخصي لكل شخصية من شخصياتها الثلاث. أي استطاعت الرواية أن تجمع بين الهم العام والهم الشخصي، لتقدم عبر هذا الجدل بين الهمين صورة واضحة للقلق الإنساني.
لتندرج رواية (صيف مع العدو) في ذات الهم وفي ذات الموضوع منطلقة من حكايات النساء وأحلامهن وحيواتهن، لتقدم لوحة بألوانها المختلفة والمتداخلة، حيث يجد القارئ نفسه أمام ثلاث حكايات تختلف زمنيًا ويتم تناولها من خلال راويةٍ/ساردة واحدة هي لميس التي تعتبر شاهدة على جيلين مختلفين، جيل الجدة كرمة بحكاياتها وقصصها التي تعود بنا إلى ثمانينيات القرن الماضي، وجيل البطلة نفسها وحياتها وما جرى فيها. عبر حكايات وتفاصيل تعكس وجهًا إنسانيًا حقيقيًا لسوريا وغيرها من الشعوب التي قهرتها الحروب.
وبالتالي؛ يمكننا القول إن هذه الروايات الأربع على اختلاف خطابها واختلاف أساليبها تلتقي عند نقطة واحدة هي أزمة الإنسان العربي في زمن القهر وزمن التحولات السياسية، والاجتماعية لتقدم هذه خطاباً جديداً للرواية النسوية سواء على مستوى الموضوع أو على مستوى الشكل والأسلوب، متخطية الموضوعات التقليدية للرواية النسائية، ومنفتحة على العالم بآفاقه الإنسانية الواسعة.