تنتشر رائحة الزعفران والهيل والسمن العربي وماء الورد، والتوابل والبخور والقهوة العربية في الأماكن القديمة في الإمارات، ومنها منطقة الشارقة القديمة بأحيائها وأسواقها ومعالمها الأثرية مثل سور الشارقة، ومركز فعاليات التراث الثقافي، وبيت الشعر، والمتاحف والسوق المركزي الإسلامي وسوق الشناصية، ونسمع من حجارتها ما تردّده من أمثال شعبية، وحِكم عربية، وأشعار مثل هذا البيت عميق الرمزية: "اللي ما يعرف الخيل يظلمها، وأهل الجهل الصقور تشويها".
وتشدّنا هذه الذاكرة بأبعادها الحاضرة المادية واللامادية إلى أزمنة مرت، لكنها ما زالت معاصرة باستمراريتها، وما تبعثه من حيوية تذكّرنا بطريق الحرير، تنتشر بين الناس من مختلف الجنسيات، وتجذبهم لتنويعات متنوعة من الطقوس والعادات العربية والخليجية والأجنبية، ومنها عادات السوريين، وثقافتهم التراثية والحياتية، لاسيما الطعام الذي انتشر معهم في بلدان العالم، تماماً، كما انتشرت عادات الشعوب الأخرى، الهندية، الباكستانية، الإيرانية، الروسية، الإنكليزية، الفرنسية، الأفغانية، الأذربيجانية، الأرمنية، البلغارية.
ما زالت الرائحة تنتشر ملفتةً المقيمين والزوار والعابرين والسيّاح وهم يعبرون الأسواق القديمة، ومعروضاتها ببنائها المعماري الذي لا يستغني عن طرازه الشرقي الإسلامي من حجارة وسُعف نخيل وخشب ونقوش وخطوط عربية مكتوبة وتشكيلية، إضافة لجماليات أخرى تحضن إبداعات أندلسية ودمشقية، وكأنّ زجاجها الملوّن يلوم الشمس بصمت لتكون أكثر رأفة بالمتنقّلين من محل إلى محل، وهم يحدقون بالأزياء الفلكلورية والتقليدية والمعاصرة، والاكسسوارات، والأدوات المختلفة.
ويستطيع المتجول أن ينجذب مع حاسة الشم إلى حكاية قديمة للشعب العُماني وثقافته الحياتية، ليجد نفسه أمام محل يصنع ويبيع "الحلوى العُمانية" الشهيرة كتراث حاضر في دول الخليج عموماً، وفي الإمارات خصوصاً.
ولهذه الحلوى انتماء قديم للجدات والأجداد والأجيال عبْر القرون؛ لأنها إحدى الحِرف التراثية العُمانية، والمهن والصناعات المحلية، ولها حضورها في المناسبات الرسمية والاجتماعية والحياة اليومية، وهي دليل على الكرم والضيافة والأصالة، ولها مسميات مختلفة مثل الحلوى الخاصة، والسلطانية، والصفراء، والسوداء، والطيبة، وحلوى اللبان الظفاري، وترجع هذه المسميات إلى طريقة صناعتها وما تحتويه من خلطات ونكهات.
ولكونها تتألف من مكونات طبيعية تماماً، فمن الممكن تصنيفها من الوجبات الصحية، إضافة لكونها مصدراً للطاقة، وكان الأقدمون يصنعونها من نشاء القمح والسكر الأبيض والزيت والماء، ويطبخونها بقدور توضع على المراجل، ويوقد تحتها خشب السمر العُماني، ويتناولونها، ليحتملوا قيامهم بمسؤولياتهم ومشاغلهم بأقل عناء، مثل المزارعين والرعاة والصيادين، وكان البحارة والتجار يخزنونها بطريقة تغليفها القديمة المصنوعة من سعف النخيل.
ومع تطور صناعتها، استبدلت الأدوات، وأصبح الوقود هو الغاز، وصارت تحفظ في علب منها المصنوعة من الألمنيوم والزجاج والفخار والميلامين والأخشاب، وتتخذ هذه العلب شكلاً فنياً يحكي عن المعالم الأثرية في سلطنة عُمان، كما نشأت خلطات حديثة، تتألف من مكونات جديدة، منها الزعفران والعسل والسمن والسكر الأحمر والتين واللبان الظفاري والمكسرات، ورغم ذلك، تظل أسرار صنعتها غير مكشوفة كاملة، لكنّ تاريخها يقول: منذ أكثر من 700 عام، والحلوى العُمانية تجوب العالم القديم مع بحارة السفن العمانية منطلقة من موانئ السلطنة البحرية إلى أبرز موانئ دول العالم كالبصرة بجمهورية العراق، والأحمدي والشويخ في دولة الكويت، ودار السلام وزنجبار، والهند وبندر عباس، والمنامة بمملكة البحرين، وصارت تنتقل بالطائرات، إلى أن حطت رحالها في العديد من البلدان، لتؤسس مصانع ومحلات للبيع، كما نراها في الشارقة التي تحتفل بتراث الشعوب بفعاليات ينظمها معهد الشارقة للتراث، تمتد لأسبوع كل شهر، تستضيف خلاله دولة عربية أو أجنبية، وذلك في البيت الغربي الذي يبتهج بتلك الأنشطة التراثية الفلكلورية من موسيقا وفنون وأزياء، وأغان وأناشيد، ورقص وأهازيج، وأكلات شعبية وحرف تراثية، وندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية.