تعتبر مدينة حمص التي يُطلق عليها مدينة (ابن الوليد) من أهمّ المدن السورية الغنية بآثارها العريقة، ومنها الجوامع القديمة التي يمتد تاريخ بنائها إلى مئات السنين، ويعود بعضها إلى الفتوحات الإسلامية وإلى الفترة الرومانية التي حكمت البلاد آنذاك. ومن أهم تلك الجوامع: جامع خالد بن الوليد، وجامع النوري الكبير، وجامع كعب الأحبار، وجامع "أبي الفضائل"، وجامع الملك المجاهد، وجامع "أبي لبادة" وغيرها.
◄ جامع خالد بن الوليد
يعتبر جامع "خالد بن الوليد" من أهم وأشهر جوامع مدينة "حمص" حتى إنها صارت تلقب بمدينة (ابن الوليد) نسبة إليه. وقد تم بناؤه على مراحل ابتداء من العصر المملوكي، ثم العصر العثماني وصولاً إلى العصر الحديث.
تم البناء الأول للجامع عام 1262م على يد القائد "الظاهر بيبرس"، ثم تم البناء الثاني بأمر من السلطان "عبد الحميد" في نهاية القرن التاسع عشر، كذلك تمَّ بناء أروقته بالإضافة إلى شرفاته وبعض الملحقات في العصر الحديث. أما محرابه فهو يشبه إلى حد ما بناء محراب الجامع الأموي في دمشق، وقد تم الحفاظ على شكله القديم، وذلك منذ القرن الأول الهجري، وعُمل على ترميمه بعد الهزة الأرضية التي وقعت في مدينة حمص عام 586هــ والدليل على ذلك الكتابات الموجودة على منبره، كما تعد مئذنته أعلى مئذنة في المدينة، وقد أعاد تجديدها الملك "نور الدين الزنكي"، كذلك أُجريت للجامع إصلاحات عدة في العهد العثماني والعصر الحديث.
جاء البناء بشكل عام خليطاً من جهود أناس من عصور عدة: من العهد العثماني في أبعاده المربعة، ومن منارتيه ذات الطابع المملوكي، وقبته الكبيرة العليا التي أحيطت بثمانية قباب فضية اللون، وجدرانه المبنية بحجارة "حمص" المتعارف عليها في البناء، وهي السوداء والبيضاء، فقد أعطته هيئة مميزة. كما يوجد في الجهة الشمالية الغربية ضريح الصحابي الجليل "خالد بن الوليد" رضي الله عنه وولده "عبد الرحمن".
◄ جامع النوري الكبير
يعتبر هذا الجامع من أهم المواقع الأثرية في مدينة حمص لما يحمل من طابع إسلامي جميل مثله مثل الجامع الأموي في مدينة حلب. يقع جامع النوري الكبير في وسط مدينة حمص بالقرب من أسواقها الأثرية القديمة، والحكمة من ذلك سرعة وصول التجار إلى الجامع لأداء الصلاة، ومن ثم العودة إلى محلاتهم لمتابعة أعمالهم.
صفات الجامع:
يتميز الجامع باحتلاله مساحة كبيرة في المنطقة، وبجمال هندسته وبنائه الإسلامي، كذلك تظهر عليه معالم البناء اليوناني والروماني.
يحتوي الجامع على صحن كبير، وفيه قسم صيفي عبارة عن مصلى خارجي يشغل نصف مساحة الصحن الخارجي، ويحتوي على العديد من القناطر والأعمدة المزخرفة، كما يحتوي الجامع على العديد من القاعات الكبيرة، منها قاعة المكتبة التي تحتوي قسماً كبيراً من الكتب والمخطوطات القديمة، وهناك قاعة لإلقاء المحاضرات أسست عام 1990، ومن المحتمل أنها كانت بالأساس المدرسة النورية القديمة في حمص، فقد كان لها دور كبير في تأسيس التعليم الإسلامي، لتكون منطلقاً لإصلاح الناس وهدايتهم، وقد أسسها "أسد الدين شيركوه" عم القائد صلاح الدين الأيوبي.
الجامع له أربعة مداخل أهمها الغربي المزين بالنقوش والكتابات، ويصل صحن الجامع والثاني خشبي، يصل إلى الحرم مباشرة، والثالث يصل إلى الحرم بواسطة بهو مدرج، أما الرابع فيصل إلى صحن الجامع أيضاً، ويعد الجامع الأول في المدينة.
تاريخه:
يعود تاريخ الجامع النوري في الأساس إلى العهد الروماني، حيث كان معبداً لإله الشمس (إيل) ثم تحوَّل المعبد إلى كنيسة، خصصت للقديس يوحنا المعمدان في عهد آخر أباطرة الرومان (تيودوسيوس)، كجزء من آخر حملة الاضطهاد ضد الوثنية. وبعد الفتح الإسلامي لمدينة حمص حُول نصف الكنيسة تقريباً إلى مسجد خُصص لصلاة الجمعة آنذاك. ويذكر أن السلطان العثماني "نور الدين الزنكي"، هو من اهتم بإكمال بناء الجامع، ومن ثم سمي باسمه، وكان ذلك عام 1154م
أهم طقس في الجامع:
هناك تميمة مصنوعة من الحجر على شكل رجل، نصفه السفلي على هيئة عقرب، وهي موجودة على البوابة المواجهة للكنيسة، راح الناس يعتمدون طقوساً معينة حيالها، وذلك لمن يصاب بلدغة عقرب، فماذا بإمكانه أن يفعل حتى يشفى من السم؟ عليه أن يأتي بقطعة من الطين، ويضغطها على التميمة التي فوق الباب، ومن ثم يذيب القطعة بالماء ويشربه، وسوف يتوقف الألم، ويتماثل للشفاء.
هناك عدة جوامع في "حمص" تعود لفترة الأيوبيين والمماليك، ومن أهمها:
◄ جامع "الأربعين"
يقع قرب مبنى دار الحكومة ومبنى مجلس مدينة "حمص"، ويطلق عليه أيضاً اسم جامع "الأبدال" ويقصد بالأبدال: هم المرتبة الرابعة من مراتب الأولياء عند الصوفية الذين يعتبرون من رجال الغيب. ويوجد مقام فيه لأحد رجال "الأبدال" وهذا الجامع هو الوحيد بالعالم الذي بنيت منارته على البرج المستدير الذي يعود شكله إلى زمن الاجتياح الصليبي، أما حرم الجامع فقد كان مبنياً من الخشب والطين وتجاوره قاعة لتعليم الصبية مبادئ القراءة والكتابة وتعليم القرآن الكريم. ولعل وجود المنارة المطلة على فسحة البرج المشكل من حجارة بركانية، قد حفظته من العبث.
◄ جامع "أبي لبادة"
يعتبر أيضاً من الجوامع الأثرية في "حمص" حيث بني في القرن الخامس الهجري. وهو جامع صغير في حي "ظهر المغارة "يتجه مدخله المجاور للمئذنة المتميزة نحو الشرق.
يوجد على أحد جدرانه حجر عليه كتابة "هيلينية" وقد بني من حجارة مجمعة من مبان أثرية قديمة ولكن لا يوجد ما يدل عل أنه بني فوق أثر وثني أو مسيحي، كما هو سائد في العديد من الجوامع والكنائس في المنطقة. أما سقفه، فيعود إلى العصر العثماني. وخلف الحرم مقام بسيط ينسب إلى الصحابي "سبيع اليماني"، وأجمل ما في الجامع مئذنته "الأيوبية" وقاعدتها المملوكية المميزة، وهي غريبة في شكلها واسمها وقدمها. ونظراً إلى تاريخ قدم الجامع انتشر مثل بين الناس يقول: "هذا أقدم من جامع أبي لبادة.
◄ جامع "كعب الأحبار"
هذا الجامع الذي بني حوالي عام 1700م، ويقع في ساحة "باب الدريب" ويتألف الجامع من حرمين، وله منبر بدرج جانبي وإلى جواره مكان الوضوء، أما الضريح فيقع في الجهة اليمنى وهناك امتداد للصحن من الجهة الشمالية، وتتميز المئذنة بأنها شُيّدت من حجر البازلت التي تشتهر بها مدينة حمص، وللجامع قبة على شكل مخروط.
◄ جامع الملك المجاهد
هو من الجوامع التي تعود للفترة المملوكية، ويقع في حي "باب السباع" تم بناؤه من الحجر الأسود ويحتوي على ضريح الملك المجاهد "أسد الدين شيكوه" الذي عرف بالملك المجاهد، وقد اشتهر بغزواته الكثيرة ضد الإفرنج، وحارب إلى جانب القائد صلاح الدين في مصر.
بناء الجامع:
الجامع مستطيل الشكل، يحتوي ضريح الملك المجاهد الذي يقع في وسطه، والضريح عبارة عن تابوت من الخشب، مغطى بالقماش، وفوقه قبة كبيرة، كما هو سائد في المنطقة. وفي الجدار الشمالي أقواس تدل على أن قسماً من أرض المقام قد اختلفت عن الأبنية المجاورة، هذا ما يدل على تعرض المنطقة للهدم والترميم. كذلك هناك قبة للحرم تحتوي على أربع مقرنصات، إضافة إلى نوافذ صغيرة مستطيلة الشكل.
◄ جامع أبي الفضائل
يعود تاريخ الجامع إلى العهد المملوكي، ويقع في حي "بستان الديوان"، وقد تمَّ بناؤه في القرن الخامس الهجري. وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الشخص الذي أسسه وهو "شهاب الدين علي أبي الفضائل"
بني الجامع عام 472هــ وتم استعمال الحجارة السوداء المصقولة يدوياً آنذاك، ومدخله يتجه إلى جهة الشرق، وله رواق عريض على شكل قوس نصف دائري، ومصطبتين من الجهتين، ويرتفع عن صحن الجامع بدرجات عدة، وعند الباب الرئيسي سبيل ماء له جرن محفور من الحجر الأسود. وفوق المدخل كتابات تدل على نسب آل "طليمات"، وهذه العائلة ما تزال محافظة على لقبها حتى الآن، وهناك متاجر كثيرة في الأسواق القديمة تعود إلى عائلة "آل طليمات".
يتميز الجامع بمئذنة مرتفعة ضمنها درج لولبي وهناك شرفة تعلوها قبة على شكل تاج، لها ثمانية طاقات، وهي محددة بأقواس جميلة، والمنبر مصنوع من الخشب الذي زُين بالنقوش المتنوعة، وله درج متحرك، أما السقف فقد جدد وهو من البيتون المسلح ويقع مكان الوضوء في صحن الجامع.
ختاماً نقول: إن ما ذكرناه عن جوامع مدينة حمص يعتبر بوابة واسعة لزيارتها والتمتع بجمالها المميز على أرض الواقع. وكذلك هناك العديد من الجوامع التي تحتاج إلى الإضاءة وتبيان موقعها وأهميتها على الصعيد التاريخي بالدرجة الأولى.