هُويّة الشارقة المعمارية

المنظور الجمالي والوظيفي

مصعب الصاوي



أطلقت هوية الشارقة الجديدة في حفل جهير أقيم بجزيرة النور، وهي هوية تعكس كافة مكونات الشارقة البصرية والثقافية، وتعبر عن إرثها الثقافي والفني المميز تحت شعار "الشارقة منها الزود" تمثل الهوية انعكاساً للرؤية الحكيمة والثاقبة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهي رؤية جعلت من الشارقة إمارة رائدة وذات مكانة عالمية لما تتميز به من مقومات في مختلف القطاعات، كما تجسد الرؤية عرضاً للخدمات والمحفزات الداعمة للنمو المستمر الذي تتجه إليه الشارقة وجاذبيتها للسياحة والعيش والعمل والدراسة والاستثمار، بحيث أضحت الشارقة وجهة مفتوحة للعالم لاستكشاف مدى الغنى والتنوع الذي تحتضنه.
 

تعبر هوية الشارقة عن المعالم الثقافية والتراثية والتاريخية العريقة وتطورها الحضري باعتبارها مركزاً للإشعاع الثقافي والاستنارة على مستوى العالمين العربي والإسلامي. بل منصة ثقافية عالمية لذا لم يكن مستغرباً اختيار الشارقة عاصمة للثقافة العربية 1998 من قبل اليونسكو، واختيارها من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم عاصمة للثقافة الإسلامية 2014.

تقدم الشارقة العديد من التجارب الفنية والثقافية للمقيمين والمستثمرين والطلاب والسياح على حد سواء؛ إذ توفر الشارقة إلى جانب بيئتها الطبيعية وواحاتها المذهلة وتراثها العريق العديد من المرافق التي تثري التجارب، وتحقق الرفاه تحقيقاً لشعار "الشارقة منها الزود".

تجليات الهوية في العمارة

تتجلى الملامح المعمارية بخصوصيتها في الشارقة في الأسواق التراثية الشعبية "سوق العرصة"، السوق المركزي، "سوق صقر"، والمجالي الطبيعية في أشجار القرم في خور كلباء ومهرجانات الصيد اليومية في "سد الفريص"، وصولاً إلى المناطق الأثرية في "سد الرخيصة"، وكذلك الشواطئ مثل شاطئ الحمرية ولا غرو فالشارقة تتسم بطابع معماري وحالة ثقافية إنسانية، تمزج بين الأصالة والمعاصرة في نسق فني وحضاري شديد التماسك قوي الملامح.

أبرز ما يظهر هوية الشارقة الحضارية هو طرازها المعماري المميز والذي وقف على تصميمه ورعايته والإشراف على تطبيقاته كحقيقة عيانية ماثلة، وأثر ملموس صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة وهي رؤية تستند على إحياء موروث العمارة الإسلامية على المستويين الوظيفي والجمالي؛ فالمساجد وفق رؤيته ليست فقط أماكن للعبادة وأداء الشعائر، وإنما تستعيد دور المسجد في الحضارة الإسلامية كمؤسسة متكاملة إرشادية دعوية ومجتمعية وثقافية؛ لذا حمل مسجد الشارقة معظم هذه الوظائف.

وتمتد رؤية صاحب السمو شيخ سلطان بن محمد القاسمي لتشمل كامل المخطط الحضري للشارقة (الديوان الحكومي، ومؤسسات التعليم العالي والعام، مراكز خدمات الجمهور، المتاحف، الأسواق وحتى شوارع الشارقة وأماكن الترفيه)، ينظمها طابع واحد كمسبحة تتجلى فيها شارقة الأنوار بالمعرفة والأصالة ورموز ومنمنمات العمارة الإسلامية.

في هذه السطور سنقفف مثالاً لا حصراً على معلم ديني هو مسجد الشارقة، ونموذج لعمارة الديوان الحكومي ممثلةً في بلدية الشارقة، وأفردنا مساحة للأسواق الشعبية التي أعيد تأهيلها مع الحفاظ على طابعها التراثي كسوق صقر. نحاول في هذه الإضاءة إلقاء الضوء على هذه المعالم في الشارقة بالدرس والتحليل كنماذج تطبيقية.

مسجد الشارقة

يعد تحفة معمارية بامتياز بل أصبح وجهة للسياحة الثقافية، يتميز المسجد بموقع خاص في منطقة الطي وسط الشارقة، ويتطابق اختيار الموقع مع التقاليد الإسلامية في بناء المساجد، حيث يبنى المسجد في قصبة الدولة؛ أي في مركز المدينة لكون المسجد في الحضارة العربية الإسلامية ليس فقط مكاناً للعبادة، وإنما يلعب أدواراً مجتمعية ودعوية وإرشادية لا حصر لها الموقع يتيح لعشرات المصلين الوصول إليه من أماكن مختلفة وحتى العابرين إلى إمارات أخرى داخل دولة الإمارات يمكنهم أداء الصلوات فيه.

أرابيسك والحروفية

يعتبر مسجد الشارقة فسيفساء معمارية فنية امتزجت فيها عدة مدارس للفن الإسلامي في عصور مختلفة، بلمسة معاصرة ومواكبة مع الاحتفاظ بروح الأصالة فالقبة والرواق الداخلي اتخذت الطابع الشرقي في العمارة الإسلامية والفناء الخارجي، وبستنة المسجد فيها ملامح أندلسية الطابع بجانب تعدد الأبواب والأروقة، والملحقات والميضأة المورقة كما أن التزجيج والزخرفة الخطية اتسمت بالطابع المغاربي الأندلسي والمناور، وشكل الجسم الخارجي يستلهم الطابع الخليجي في الحصون والقلاع، وبالتالي استطاع هذا الصرح أن يقدم ملخصاً تشكيلياً ومعمارياً، لتعاقب عصور وفترات الحضارة الإسلامية منذ فجر الإسلام وضحاه ونهضته.

التشكيل الداخلي

يبدأ التشكيل الداخلي بالأبواب وقد نحت للأبواب مدخل في جسم المبنى يفضي إلى الباب نفسه، وتم اختيار خامات مميزة لتصميم الأبواب، تتسم بالقوة والصلابة، فأبواب المساجد في الحضارة القديمة يختار لها خشب الساج؛ لأن المسجد مكان للهدوء والسكينة والخامات الخشبية تحقق هذا الغرض حال فتح الباب وإغلاقه. الرواق الداخلي مُحلى بأعمدة مطعمة تفضي إلى صحن المسجد وهو مركز الصلاة الجامعة تقابله في الأعلى قبة المسجد بسطحها الداخلي، القبة معرشة من الداخل يمتزج فيها أسلوب التزجيج أو المناور الزجاجية مع التخريط، وهو إضاءة أجزاء من الخشب البارز المنحوت على طريقة الـ Relief Sculpture بجانب الألوان الأخضر اليانع والبرتقالي الفاقع والأزرق الفيروزي، وهذا الطابع تميزت به الفترة المملوكة وأكبر تجسيد لها مسجد السلطان حسن بالقاهرة القديمة، وكل طراز العمارة الأزهرية في مصر الفاطمية.

عرائس المحراب

تشكيل المحراب في الفن الإسلامي يعتمد تقليد الواجهات المتاقبلة، بحيث ينقسم المحراب إلى جزئين متطابقين من حيث التشكيل وعناصر الزخرف والتوريق وعناصر الوحدات الخشبية المضلعة. في العادة تزين ما يسمى بعمامة المحراب بآيات قرآنية وفي عصر الخلافة العثمانية كان السائد كتابة آيات من سورة الجمعة أو سورة الكهف أو الاثنين معاً والمسجد الجامع هو الذي تقام فيه صلاة الجمعة، بعكس الزوايا والكتاتيب في الأحياء وهي أماكن تقام فيها فقط الصلوات الراتبة المفروضة عدا الجمعة. عرائس محراب مسجد الشارقة مزجت أسلوب زخرفي على عمامة المحراب، بينما استخدم فن التوريق وشغل النحت البارز على الخشب في الحواف الداخلية كما أخذ شكل المحراب ذات الوحدات الزخرفية أعلى قبة المسجد، من أجل خلق وحدة فنية بين المحراب والمنبر وقيطان الدرج الداخلي لحافة المصلى.

تحتوي القبة الداخلية على توريق داخلي يعتمد الأشكال السداسية للزخرفة الإسلامية، الزجاج المعشق ونظام الإضاءة الذي استخدم فيه النمط الحديث، وكان في الماضي يستخدم الزجاج المعشق ليعكس أشعة الضوء داخل المسجد. تتسق كل هذه العناصر مع مفارش المسجد وفي الماضي كان يوجد في المساجد العتيقة كمسجد القيروان في المغرب دكة خشبية للمقرئ تكون على يمين المحراب، وفي قبة المسجد النبوي الشريف استخدمت المناور في القبة الداخلية كوحدات زخرفية تشبه المسبحة مع الإبقاء على الحروفية الخشبية، كوحدة تربط بين المحراب والقبة والروضة النبوية الشريفة والمنبر وصحن المسجد.

تنوع استخدام الأساليب الزخرفية في مسجد الشارقة بين فنون النحت والأعمال الخشبية والرسم بالخط والحروفية لتكوين لوحات إبداعية. التصميم الأساسي به قباب ومنارات وتعد القبة الرئيسة تحفة معمارية حقيقية، وأضافت إليها المآذن الخارجية بعداً جمالياً آخر بالمزاوجة بين الأشكال المخروطية للقباب والارتفاع العمودي للمآذن.

ملحقات المسجد

الملحقات هي الأماكن المخصصة للوضوء وجملتها 352 ميضأة إلى جانب سكن مخصص للأمام والمؤذن، ويتفرد المسجد ببستنة رائعة على الطريقة الأندلسية بها فوارات أو نوافير، وأخذت الأسبلة من الطابع الفاطمي المصري، حيث خصصت عدد من الأسبلة في المواقف الخارجية. يحتوي المسجد على متحف لعشاق السياحة الثقافية به قاعة مقتنيات تضم عدداً من المصاحف النادرة تعبر نسخها عن عصور إسلامية مختلفة، ومسكوكات صدرت خصيصاً بمناسبة افتتاح المسجد، بجانب نماذج للزخارف المستخدمة في تصميم المسجد، كما تضم قاعة عرض هولوغرافي لمرافق ومحتويات المسجد بتجسيد ثلاثي الأبعاد وفيلم وثائقي يروي مراحل البناء، ومكتبة لأمهات كتب التراث في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية.

بلدية الشارقة

سبق أن أشرنا إلى أن رؤية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي لم تقتصر فقط على الآثار الدينية التي تؤدي فيها الشعائر؛ وإنما امتدت لتشمل هوية الشارقة المعمارية جميعها بما فيها المباني والمعالم ذات الطابع الخدمي الحياتي، وأبلغ مثال على اتساق هذه الرؤية في الدين والدنيا مبنى بلدية الشارقة.

التحليل المعماري

يعد مبنى بلدية الشارقة مساهمة حضارية جديدة تستلهم الطراز الإسلامي الأندلسي في شكل الأعمدة والقباب المقوسة، وموقع البلدية في منطقة "مصلى" أهلها لأن تكون معلماً يمكن مشاهدته بل الوصول إليه من عدة اتجاهات، وتحيط بالمبنى حديقة بها نافورة مائية، ويتألف من أربعة طوابق بها قاعات ومكاتب كافة الوحدات الخدمية، وهو من أوائل المباني التي اعتمدت الطاقة الخضراء في تشغيلها. يقابل مبنى البلدية دوار الكويت وهو دوار مجسم لا يقل جمالية وبعداً زخرفياً عن مبنى البلدية؛ مما خلق حالة تناغم بين الفضاء الخارجي والداخلي بينهما، خاصة وأن الدوار يحتشد بالخضرة والزهور الملونة الجميلة، ويقابل من جهة أخرى مبنى المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة.

منمنمات وأسوار

أسوار مبنى البلدية اتخذت شكلاً يمزج بين جسم القلاع وهي طراز خليجي قديم والأسوار ذات البروج، وهو طراز أندلسي فيه التدرج السلس والأعمدة المتوالية، وطغراء المبنى اعتمدت على وحدات البناء الهندسية الصغيرة التي تنمو في شكل خلايا لا متناهية حتى نهاية كل طابق، كما شكلت الأعمدة شكلاً آخر مع السياج الداخلي للمبنى، يفصل بين السور الخارجي وصالات أو أماكن خدمات الجمهور. اتخذ مبنى البلدية ملامح وإشارات رمزية من العمارة الإسلامية، فالبوابات مثلاً تمثل الهيبة والفخامة، وهي سمة العمارة الديوانية، والفناء الذي يفصل بين مداخل البوابات المتعددة إلى وظيفة المبنى يتيح للمستخدم فرصة تأمل المبنى الداخلي عن قرب لتجمع الأعمدة بين خاصيتي الوظيفية والجمالية. مساحات البستنة بين المدخل والديوان الرئيس تعبر عن جوهر وفلسفة العمارة الإسلامية، وهي أن تمتلئ كل مساحات الفراغ بالوحدات الزخرفية والمنمنمات، وهذا الملمح عند الفنان المسلم ينطلق من عقيدة راسخة؛ أن وقت المسلم جميعَه مكرس للعبادة ولا توجد أوقات فراغ أصلاً، وإن وجدت فإنها تملأ بالذكر، فالذكر بالجوارح هو العمل؛ لأنه يحقق استخلاف الإنسان في الأرض، بجانب ذكر القلب واللسان وهو ذكر مستدام.

تنوع الخطط

كانت مكاتب الديوان الحكومي تسمى بالخطط، أو الأقسام أو الدوبيا في المصطلحات الديوانية التراثية، وقد تنوعت خطط ديوان البلدية، بحيث تبدو كوحدات غير متشابهة، ولكن بينها شكل من الترابط العضوي والخفي، وذلك لكسر رتابة العمل الديواني سواء للعاملين أو المستخدمين والمستفيدين من خدمات البلدية من عامة الجمهور. زخارف الأعمدة تفادت الطابع الروماني واتخذت الطابع العربي الإسلامي الذي يعرف بالنخيليات، وفيها يكون العمود رشيقاً ومتناسقاً ومنساباً ينتهي بشكل هامة النخيل، وكانت هذه الأعمدة تسمى الأعمدة "البغدادية" إشارة إلى نخيليات الأعمدة العراقية المستوحاة من النخيل من العصر العباسي، وقاعدة العمود البغدادي تسمى "الدرج"، تم توظيف طراز إسلامي آخر في الأبنية ذات الطوابق المتعددة، وهي أن تكون طبيعة التهوية أقرب إلى التهوية الطبيعية التي تسمح بمرور تيارات الهواء من خلال المبنى، وليس كالطراز الأوروبي المغلق فتم رفع فتحات الطوابق العليا بارتفاعات معقولة، وهي من ناحية اقتصادية، تقلل التكلفة التشغيلية للمبنى، وهي نمط خليجي قديم كما في (المنامات) عند البحارة، تتيح هذه المنامات تجدد الهواء، وتقلل نسبة الرطوبة التي تزيد كلما التصقت الأجسام بالأرض، وبالتالي استطاع المبنى أن يخرج عدة مفردات معمارية محلية خليجية وعربية مشرقية، كما اتخذ هوية تراثية من حيث الطراز المعماري وطبيعة التصميم العام للمبنى؛ بمعنى أنه ديوان حكومي لخدمة الجمهور؛ ولكي يحقق هذا الغرض استخدم بعض التقنيات الحديثة ومزجها بخواص المبنى، كالإضاءة الطبيعية والتبريد الشمسي، لتقليل استهلاك الكهرباء، أو ما يعرف بالطاقة الخضراء. تخصيص مواقف للسيارات سواء للعاملين بديوان البلدية أو طالبي الخدمة، تم تشكيله ورصفه، بحيث لا يخل بطبيعة المبنى، ويتسق مع الجسم الخارجي والأروقة الداخلية لديوان البلدية بلمسة معاصرة؛ إذا أضفنا إليها الأثاثات الداخلية والنباتات نحد أن المبنى قد جمع التراث واللمسة العصرية في بساطة وأناقة.

البستنة والإضاءة

خصصت المساحات الخارجية فضاءات للخضرة والتشجير، بينما اقتصرت الظليات على الرواق الداخلي للديوان، مما ضاعف من جماليات مبنى البلدية، فبدا كأنما المساحات الخضراء إطار للوحة مبنى البلدية الأيقونة، خاصة عندما تنعكس إضاءة الأعمدة ليلاً. خاصية البستنة من أبرز خصائص العمارة الإسلامية، وهي جزء من زينة عموم المباني التي تدار منها مصالح الناس، كما أن الخضرة لها أثر بيئي وجمالي يؤثر على طاقة العمل والإنتاج، خاصة وأن ضغط العمل في هذا المرفق الحكومي يكون مضاعفاً. الظليات نباتات تؤثر في المحيط الداخلي، فهي تعادل درجة الحرارة من جهة، ويبعث منظرها إحساساً مريحاً، كما أن النبات يكسر حدة الأجسام الصلبة في العمارة، ويعطي شعوراً بأن المبنى جزء من الطبيعة، وليس مكاناً روتينياً جافاً.

بالعودة إلى هوية الشارقة المعمارية؛ نرى أنها تجسدت في عدة تمظهرات، فهي قد أخذت واستلهمت من تراث العمارة العربية الإسلامية في معينها الواسع بتنوع مصادره الجغرافية، وتعاقب عصوره التاريخية دون استثناء، وشكلت من كل هذه المدارس والتيارات طرازاً خاصاً بها يمثلها ويعبر عنها، كما أن هوية عمارة الشارقة في أصالتها لم تتعارض أو تتقاطع مع واجب اللحظة الراهنة والاتساق مع العصر، والأخذ بالحداثة سيما في المهام والوظائف التشغيلية للعمارة، والتي لا غنى عنها كخدمات المياه والصرف الصحي، ونظم التكييف والتبريد وتقنيات الإضاءة والمصاعد الكهربائية.

سوق صقر

نختتم هذه الأمثلة بنموذج اقتصادي معيشي؛ هو سوق صقر كمثال لإعادة تأهيل المعالم التراثية بالشارقة. امتداداً لرؤية هوية عمارة الشارقة ببعدها الحضاري والثقافي، ينهض سوق صقر لعمارة الأسواق الشعبية القديمة على النمط الخليجي. أعيد تأهيل وتصميم السوق بصورة عصرية، من حيث الإضاءة، وخدمات الصرف الصحي، والكهرباء ومواقف السيارات، لكن ظل سوق صقر محتفظاً بروحه وطابعه الأصيل، ولم يمس التغيير معالمه إلا مساً خفيفاً، دون أن يؤثر على هويته وملامحه وحتى الطرقات والممرات الداخلية ظلت كما هي عليه سابقاً، فقط أعيد رصفها بمواد قريبة أو مطابقة للأصل.

تتميز أسواق الخليج التقليدية بملامح عمرانية أساسية حوى سوق صقر أغلب عناصرها، منها على سبيل المثال الممرات المعروشة، والتي كانت تتكون من سعف النخيل والحبال، وبعض المواد المحلية تنسج معاً في شكل ظليات بامتداد الممرات. ذات الأسقف تستخدم في المقاهي الصغيرة، وبعض أماكن تناول الطعام في الفناء الخارجي.

الأسواق التقليدية عادة يجرى تقسيمها حسب أغراض الشراء والبيع، واحتياجات رواد السوق، فمثلاً دكاكين العطارين تظل مصطفة جوار بعضها البعض، وهذا ما حدث فعليا في سوق صقر؛ إذ تم تخصيص واجهة السوق للعطارين، كما توجد محال تطريز العباءات للنساء والرجال، ثم محلات العطورات والبخور بجوار محلات الزي والزينة. في الماضي كان سوق السمك واللحوم يخصص له مكان منفصل عن سوق الخضار هذا غير سوق الغلال وسوق المستورد، وفيه الأرز على رأس المنتجات المستوردة التي يجلبها البحارة. كانت دكاكين الصاغة تتوسط دكاكين العطور والأزياء وهي محلات جميلة ومزينة. الآن في سوق صقر صارت فقط محلات للعرض، ولكن ورش الصاغة خصص لها أماكن خارج نطاق السوق. الأسبلة أو أماكن الماء كانت في الأسواق القديمة تقدم مجاناً من قبل التجار وبعض أهل البر والإحسان، وهي أسبلة مزينة بمجموعة فخاريات مزركشة توزع في كل أرجاء السوق، وتوضع على طاولات خشبية تحمل فخاريات الأسبلة.

تتكون خطوط تقسيم سوق صقر من مداخل متعددة بجانب تقسيمات طويلة للممرات، يفصل بينها تقاطعات صغيرة غير مزعجة ولا تعيق حركة رواد السوق مما يجعل الحركة تنساب بسلاسة ودون تعقيد، ودون أن يصطدم المارة من الجهة المقابلة ببعضهم البعض. في السوق أكثر من مصلى صغير ومقهى وأماكن مخصصة لتنازل الأطعمة والمشروبات الخفيفة كالعصاير والكرك والسليماني.

توجد في السوق منتجات عائلية للأطفال خاصة الأزياء، بحيث يمكن تفصيل أزياء للطفل خاصة الأزياء الإماراتية الأصيلة، السوق في الماضي لم يكن فقط مكاناً للبيع والشراء؛ وإنما كانت أسواق الخليج محطات للتواصل ومعرفة الأخبار وتبادل المعرفة والمعلومات والاطمئنان على العائدين من الرحلات البحرية الطويلة بغرض التجارة أو القصيرة بغرض صيد الأسماك، أو الغوص على اللؤلؤ. استطاعت الأسواق الخليجية بهذا المعنى أن تتحول إلى ديوانية ضخمة للتواصل والتراحم والمحبة وتبادل المنافع، وكثيراً من المشاكل كانت تحل في مجالس الأسواق من صلح وتسويات وقضاء ديون، وكذلك تسليم الأمانات للمسافرين والقادمين من قبل ذويهم.

التجديدات وإعادة التأهيل

تم الاحتفاظ بالشخصية المعمارية لسوق صقر القديم برصف أرضيات جديدة. تأهيل محلات جديدة بأبواب وأقفال تشبه شكل الأبواب العتيقة مع بعض الجماليات والزينة التراثية. تقسيم وحدات السوق وفق الطابع القديم مع خلق وحدات متجانسة بينها، وربطها معاً على طريقة المصفوفات المتشابهة في الغرض والوظيفة. تأمين الخدمات الضرورية كاملة بما يتوافق والعصر. المحافظة على وجود مساحات تتوسط السوق كأنها متنفس حتى لا يبدو المكان خانقاً ومكتظاً إضافة إلى أن المساحات تعطي للزائر إحساساً بالراحة واعتدال المزاج. وجود أكثر من مدخل كما هو الحال في أسواق الخليج القديم يعطي مساحة إضافية لتفعيل أماكن ركن السيارات بصورة مثالية لتوفر المساحة في السور الخارجي.

حوارية الأصل والعصر

جملة القول؛ أن هوية الشارقة المعمارية ظلت تفتح قوساً واسعاً على سؤال الأصل والعصر، لذلك تسعى الشارقة على مستوى المراجع العليا للقرار على التحول تدريجياً نحو الطاقات البديلة لخفض التكلفة التشغيلية للمباني، استجابة للتوجهات العامة في دولة الإمارات التي تشجع الاعتماد على أنظمة الطاقة الخضراء، وبدائل الطاقة الصديقة للبيئة. إن التجربة الحضارية الجمالية للشارقة جعلت منها وجهة لعشاق السياحة الثقافية وللمهتمين بتوثيق العمارة من المعماريين والباحثين والسياح؛ لأجل استكمال التعريف بجماليات العمارة الإسلامية في الشارقة جاء مهرجان الأضواء في فبراير الماضي؛ لإلقاء الضوء على المباني والعمارة، بحيث تضفي عليها جماليات معاصرة، وابتكارات جديدة تبرز حالة غنية جديدة تمزج بين الأصل والعصر/ الحداثة والموروث.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها