
كان استكشافي وصياغتي لمصطلح "الموسقة البصرية" مغامرة مثيرة. فقد منحني فرصة لفهم كيف يمكن لمخرجي الأفلام خلق تجارب موسيقية عبر التقنيات البصرية وسرد القصص.
تقليديًا، اقتصر مفهوم "الموسقة" musicality على التجارب السمعية، لكن مفهوم "الموسقة البصرية" يوسع هذا المنظور ليشمل التجارب البصرية القادرة على استثارة مشاعر شبيهة بما ينتج عن التعاطي مع الأداء الموسيقي.
يشير مصطلح الموسقة تقليديًا إلى القدرة على إدراك وتفسير عناصر الموسيقى المختلفة، مثل الانسجام (أو التناغم)، الإيقاع، والنغمة. وهذا يمتد إلى التعبيرات المستمدة من التجارب الموسيقية، التي تُعرَّف بأنها "الحساسية تجاه الموسيقى"، أو "المعرفة بها"، أو "الموهبة فيها". ومع ذلك، فإن الفهم الأوسع للموسقة يقترح أنها لا تقتصر على المجال السمعي فحسب، بل يمكن أن تتسرب إلى التجارِب البصرية أيضًا. هذا الفهم الأوسع هو جوهر مفهوم "الموسقة البصرية".
يوسع "الموسقة البصرية" هذا المفهوم من خلال النظر في كيفية تكامل لقطات الفيلم مع موسيقاه التصويرية، وكيف يمكن للمسار البصري نفسه أن ينتج نوعًا من "الموسيقى"، وأخيرًا، تجربة مشاهدة و"سماع" هذا النوع من الأفلام.
كما أن هذا المفهوم يشير إلى الأحاسيس البصرية والجسدية الناتجة عن مشاهدة أفلام تستخدم تقنيات إخراجية معروفة بطريقة قد تُختبر أنها موسقة. تشمل هذه التقنيات حركات الكاميرا، والميزانسين mise-en-scène (ترتيب المشهد)، والإضاءة، والألوان، والمونتاج، والتي يمكنها توليد استجابات عاطفية تشمل الجسد والحواس لدى الجمهور.
أعتقد أن أحد رواد "الموسقة البصرية" كان سيرجي آيزنشتاين، الذي آمن بأن تصوير الموسيقى بصريًا هو قدرة عالمية. فقد كان رائداً لمفهوم "التكوين" في الأفلام الصامتة، وكان يؤكد على استخدام الإيماءات وحركة اليدين، والعناصر البصرية أثناء مونتاج الأفلام لمحاكاة التجارب الموسيقية. إن أعمال آيزنشتاين السينمائية تقدم دليلًا على إمكانية تحقيق "الموسقة البصرية" في السينما، وقد أحدث ذلك تحولًا جذريًا في طريقة فهمنا وتجربتنا للسينما.
ومع ذلك، يتطلب فهم مفهوم "الموسقة البصرية" مقارنة بين السينما والموسيقى. إن كلا الشكلين الفنّيين يعتمدان على الزمن، وكلاهما يعتمدان على الانسجام والتناغم والإيقاع، وإن كانا بطريقتين مختلفتين. تنقل السينما رسائلها بصريًا، مستخدمةً تسلسل الصور لخلق وهم الحركة المستمرة لأغراض سردية أو شاعرية أو بلاغية/جمالية. بينما الموسيقى هي شكل أكثر تجريدًا للتواصل السمعي، تضم نغماتٍ آلاتية أو صوتية بطريقة منظمة ومستمرة. التفاعل بين الانسجام/التناغم والإيقاع في كلا الشكلين الفنّيين يوفر منصة لاستكشاف "الموسقة البصرية".
فإحدى طرق تحقيق "الموسقة البصرية" في السينما هي استخدام تقنية اللقطة الطويلة long take والتي طورها آيزنشتاين في فيلمه الإسكندر نيفسكي (1938). تتضمن هذه التقنية لقطة واحدة غير منقطعة تخلق إحساسًا بالحركة المستمرة. جادل آيزنشتاين بأن هذا الأسلوب يمكن أن يحفز الجمهور على تأمل اللقطة ومحتوياتها بشكل أعمق، مما يشجع على تفاعل وفهم أعمق.
وقد تم تطوير تقنية اللقطة الطويلة لاحقًا من قبل مخرجين مثل ألفريد هيتشكوك، الذي استخدمها لخلق إحساس بالفعل المستمر في فيلمه "الحبل" The Rope(1948). ومن الاستخدامات البارزة الأخرى لهذه التقنية فيلم "لمسة شر" Touch of Evil (1958) لأورسون ويلز، وفيلم "الراكب" The Passenger (1975) لأنطونيوني، وفيلم "السفينة الروسية" Russian Arc (2002) لألكسندر سوكوروف. هذه الأفلام تجسد قدرة تقنية اللقطة الطويلة long take على استثارة استجابات عاطفية شبيهة بالتجارب الموسيقية.
مع ذلك، من الضروري التمييز بين تقنية اللقطة الطويلة ومنهج الواقعية السينمائية الذي دعا إليه أندريه بازان. آمن بازان بتصوير "الواقع الموضوعي" عبر لقطات واسعة الزاوية، وتركيز عميق، ولقطات طويلة، وهي ما تسمى بالـ deep focus، على عكس تركيز آيزنشتاين على المونتاج والتلاعب في تسلسل اللقطات وربطها ببعض لاستثارة ردود فعل عاطفية. هذا التمييز حاسم لفهم المناهج المختلفة لتحقيق "الموسقة البصرية" في السينما.
وهنا يمكننا أن نجزم بأن استخدام المونتاج يعد جانبًا آخر بالغ الأهمية في "الموسقة البصرية". عملية تجميع أجزاء الفيلم لخلق المعنى يمكن أن تثير إحساسًا بالإيقاع والحركة، مشابهًا للتجارب الموسيقية. لا يقتصر المونتاج على توفير تدفق سينمائي ضروري للسرد المتماسك، بل يساهم أيضًا في خلق الأنماط والأفكار والإيقاع. يمكن اعتبار مفهوم المونتاج، الذي نشأ من "التصادم" بين اللقطات المختلفة، تجسيدًا لفكرة الطرح ونقيضه thesis-anti thesis. هذا التفاعل الديناميكي بين اللقطات يساهم في الموسقة الخاصة بمونتاج الفيلم، مؤكدًا على أهمية الإيقاع في السرد البصري.
من العناصر الأخرى التي يمكن أن تساهم في "الموسقة البصرية": ترتيب المشهد، والإضاءة، واللون، والنغمة، والملمس، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية للفيلم. رغم أن هذه الجوانب ربما لم تُستكشف بالكامل في سياق "الموسقة البصرية"، إلا أنها تبقى عوامل مهمة يمكن أن تؤثر على الاستجابة العاطفية للجمهور تجاه الفيلم.

من الجدير بالذكر أنه في العصر الرقمي، تشبه واجهات برامج مونتاج الأفلام النوتات الموسيقية. التشابه اللافت بين البرامج المستخدمة لإنتاج الوسائط الزمنية (البصرية والسمعية) يؤكد على الطبيعة الموسيقية الجوهرية للمونتاج. يعرض خط زمن البرنامج كتلًا ملونة تمثل عناصر الفيلم المختلفة، مثل الحوارات، والأصوات المحيطة، والمؤثرات الصوتية، والموسيقى، والانتقالات، والعناوين، والصور. تجميع هذه العناصر يخلق سردًا يشبه إلى حد كبير الأداء الموسيقي، مما يبرز العلاقة العميقة بين الشكلين الفنّيين.
يفتح مفهوم "الموسقة البصرية" آفاقًا جديدة لفهم السينما وتقديرها كشكل فنّي. من خلال دراسة الطرق التي يمكن للمخرجين من خلالها استثارة تجارب موسيقية عبر تقنيات بصرية، يمكننا اكتساب فهم أعمق لقدرة السينما على لمس المشاعر والحواس لدى الجمهور.
بينما نواصل استكشاف إمكانيات "الموسقة البصرية" في السينما، قد نكتشف طرقًا مبتكرة للتفاعل مع الصورة المتحركة وتقديرها، مما يزيد من طمس الحدود بين المجال السمعي والبصري.
ختامًا، يدعونا مفهوم "الموسقة البصرية" إلى إعادة النظر في الحدود بين الصورة والصوت، موسعًا فهمنا لكيفية تداخل هاتين التجربتين الحسيتين وتكاملهما. ومن خلال دراسة الطرق التي استخدمها المخرجون، لتطبيق تقنيات مثل اللقطة الطويلة والمونتاج، في أعمالهم لاستثارة مشاعر شبيهة بالتجارب الموسيقية، يمكننا تطوير تقدير أكبر لفن السينما وقدرته على إشراك الجمهور على مستوى عاطفي عميق. وفيما ينمو فهمنا لـ "الموسقة البصرية"، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل سينمائي يواصل تحدي حدود السرد والتعبير الفنّي، مقدّمًا لنا طرقًا جديدة لتجربة قوة الأفلام التي نشاهدها.