جدران السجن

عبد المجيد محمد خلف


بالأمس كنت أسمع لهاث الوقت عند أذني، أنا الذي تجاوزت بعمري سنوات حزن كثيرة، الألم يعتصرني، والمساء يقبض على ما تبقى لي من ذاكرة ليعيدني إلى حافة النسيان، عندما كان السوط يرتفع مصدراً أنيناً في جسد أحدهم، مات بعد حين.

احتفلتُ مرة أخرى قبل أعوام، وأنا أرتشف كأس النشوة بانتصار جلّاديّ على فحولة كاتب حاول في إحدى المرات طرق باب المستحيل ليضيء فيه شمعة صغيرة، فانهار على جبال جليدها، وبقيت الشمعة خرساء إلى الأبد، تندب شوقها لأيام قادمة.

أولاد صغار مروا بي في العيد، حاولت أن أنضم إليهم؛ لأزيد من جمال عيدهم، وأحتفي بهم، لكني احتفيت بهم بشكل آخر، ووجه متجهم، أغلقت عيني فيما بعد على المأساة؛ كي لا أراهم وهم يتناولون وجبات الصراخ الأبدي، كل ساعة أو ساعتين من تلك الأيادي التي تتهاوى على رمال أجسادهم الوردية، فتفتح فيها آبار حزن عميقة، تبكي ذاتها كل صباح مع قدوم الجنون كل لحظة.

أتذكر أنني رافقت نسوة دوِّنت أسماؤهن في محاضر الأمس في إحدى المناسبات، بقيت معهن ستة أشهر، كانت الأزرار تفتح ليلاً نهاراً لحيوانات هائجة ترتشف من نبيذ أجسادهن... كان القمر يراقب المشهد، والنجوم تعوي ألماً.

غادرن المكان بعدها، لتحتفظن بذاكرتهن هنا، وتقتلن أنفسهن خارجاً غسلاً للعار.

سنوات كثيرة مرت على تلك الذكريات... جاؤوا اليوم، أناروا المكان، وعلقوا الكثير من الأضواء، يبدو أن شيئاً ما سيحدث، ارتقى العمال السلالم، دهنوا بالأبيض كل شيء، وألقوا ما جعبتهم من بخور ليطيبوا الأرض والسماء.. دخل الكثير من المصورين، ثبتت لوحات جميلة على صدري، يبدو أنهم سيقيمون معرضاً للرسم خاصاً بذكرياتي.

ألقيت خطب في المناسبة، كان كل شيء يدل على الفرح، لكن ما زال الجنون ينبعث من تلك اللوحات، وبعض من رائحة دم عالقة في جسدي العتيق، يبدو أن الزمن تغيّر لكن قصتي لم تنته بعد.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها