البراجيل.. مكيف الهواء بمنازل الشارقة القديمة

حسن بن محمد

مثلت البراجيل معلماً معمارياً مميزاً في أحياء الشارقة القديمة، ولقد كانت حاضرة في كل المنازل وأحياناً قد يزداد عددها، وذلك بحسب حجم المنزل وسعته، وكذلك المكانة الاجتماعية والقدرة المالية التي كان عليها أصحابه، ولقد كانت للبراجيل مكانة مميزة لدى كل سكان الشارقة، وذلك بفضل عملها المتمثل في جلب الهواء للمنزل وتبريده.
 

والبراجيل هي عبارة عن برج طويل ومستطيل الشكل، وهي تشبه أبراج الأجراس وكانت تعلو سطوح المنازل ولها العديد من الفتحات في كل الجوانب، وذلك حتى تتمكن من مسك كل نسيم يهب أيا كان اتجاهه، وكانت أطرافها ملتحمة وهي عمودية الشكل، ولها أربعة أعمدة وعندما يهب الهواء على السطح يمر عبرها إلى الداخل إلى أن يصل إلى الغرف في الأسفل، وهو يعمل كمروحة ويوفر النسيم ويلطف الجو على سكان المنزل.

ولقد كانت الأحياء القديمة في الشارقة تتكون في الغالب من البيوت المبنية من سعف النخيل، وعادة ما تكون متقاربة من بعضها البعض مما يساعد على زيادة سطح الظل على واجهات المباني والممرات، وزيادة سرعة الهواء فيها، كما كانت مواد البناء المحلية تقليدية وبسيطة، وهي ملائمة للظروف الجوية الصعبة ونمط الحياة السائد هناك، ولقد تميزت هذه البيوت قديماً بالبراجيل، وكانت تبنى على سطح الغرف الرئيسية، ويقام بين زواياها الأربعة جداران متقاطعان، يقسمان الفراغ إلى أربع فتحات مثلثة بأسلوب يسمح بالتقاط الهواء من جميع الجهات، وعادة ما ينحصر انتشار معظم الهواء القادم من البراجيل إلى الأسفل في المنطقة الواقعة أسفل البرج مباشرة، وهي التي تعتبر عادة مكاناً للراحة والتسامر وأحياناً للنوم، ولذلك فهي تعد من أكثر المناطق برودة في المنزل، كما أن القسم العلوي من البراجيل مجهز بشبكة حديدية تستخدم لمنع دخول الطيور أو الزواحف إلى داخل البرج، وذلك نظراً لما قد تسببه من مضايقات ومخاطر بأمن المنزل وساكنيه.

ولقد تم تشييد البراجيل في البداية من المواد الخامات البسيطة، والتي كانت متوفرة ولكن، ومع مرور الزمن أدخل عليها العديد من المحسنات المعمارية والجمالية، حولت بعضها إلى ما يشبه التحفة المعمارية الفنية، حيث تميزت العديد من البراجيل بلمسة فنية وجمالية أحالته إلى معلم معماري رائع، ومن دون أن يؤثر ذلك على وظيفته الأساسية، والتي وجد من أجلها وهي تأمين الهواء البارد لسكان البيت في فصل الصيف الحار.

ولم يتمكن في الماضي كل الناس من بناء البراجيل الجصية فوق سطوح منازلهم، ولقد كانت مقتصرة على بيوت الوجهاء والأثرياء وكبار التجار، وذلك نظراً إلى كلفتها المادية الباهضة، ولذلك جرى البحث عن أنماط أخرى من البراجيل، والتي تكون أقل كلفة وبذلك ظهرت البراجيل المؤقتة، والتي كانت تقام مع قدوم فصل الصيف مثل اليواني، ويتم صنعها من الأكياس والأقمشة والحصر، وهي تعتبر أقل كلفة وأسهل صنعاً.

وكانت هذه البراجيل المؤقتة تنصب عادة فوق العشش المبنية من سعف النخيل، وكانت عبارة عن أربعة أعمدة أو مربعات، وكلما كانت مرتفعة كان ذلك أفضل للتهوئة. وهي تحاط من الداخل وكذلك من الخارج بالأكياس، إضافة إلى تشبيك سعف النخيل وإحاطته بالحصر والسجاد، ويتم تثبيتها بأوتاد من مختلف الأطراف كي تكون متماسكة في وجه التيارات الهوائية، كما يصنع لها أسقف من السعف كمظلات واقية من أشعة الشمس الحارقة.

إن البراجيل عبارة عن مكيف للهواء، وهي محلية الصنع، ولقد كانت تحتوي على العديد من النقوش والزخارف الجبسية الجميلة، وكما كانت على أشكال مختلفة. ولقد تغلب من خلالها سكان الشارقة على المناخ القاسي ودرجة الحرارة المرتفعة، واليوم، وعلى الرغم من الرفاهية التي توفرها المساكن الحديثة والمجهزة بالمكيفات الصناعية، التي تلطف حرارة الطقس وتحول رطوبته إلى مناخات باردة، ما زالت هذه البراجيل صامدة على سطوح العديد من المباني القديمة في الشارقة، ومحافظة على شكلها التراثي، وهي تتخذ شكل النماذج الإسلامية الهندسية الرائعة، كما أنها تمثل اليوم تراثاً معمارياً مميزاً تحدى عوامل الزمن، وذلك بفضل الجهود الكبيرة، التي تبذلها الجهات المختصة في إمارة الشارقة للحفاظ على كل ما هو تراثي، وحرصها على التعريف به لدى الأجيال الحالية والمقبلة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها