موضوع الحرب من المواضيع الشائعة فـي مسـرحيات شكسبير، وقد تناوله النقاد عبر مجموعة واسعة من الزوايا، بما فـي ذلك القلق الشكسبيري الذي عبرت عنه الأسئلة التي أثارها حول مبررات وأخلاقيات الحرب، والمبررات الدينية لها، وتمثيله للعلاقات بين الكنيسة والدولة فـي تعزيز الحرب، والحث على شنها، وتصويره لتكاليف الحرب، سواء من حيث النفقات المادية، أو من حيث الآثار المترتبة على الجنود والسكان المدنيين.
***
لقد لفت العديد من النقاد الانتباه إلى تصوير شكسبير للحرب ضد العدو الخارجي بأنها سياسة استراتيجية تستخدم للحد من المشاكل الداخلية، ولتوحيد الأمة حول زعيم تكون شرعيته موضع شك. وهذا ما يتضح من نصيحة هنري الرابع لهال «العقول الطائشة المشغولة/ مع نزاعات أجنبية». حيث يؤكد ثيودور ميرون الذي يتناول مسألة «الحرب العادلة» أن مسرحيات شكسبير تظهر أن الأساس المنطقي للأمة في الحرب، غالباً ما يكون زائفاً، لأنها متعلقة كثيراً «بمفاهيم الشرف المبالغ فيها» أو إنقاذ ماء الوجه، بدلاً من البحث عن الدافع الشرعي لها.
إن التقييم النقدي لتصوير شكسبير للحرب يركز بشكل أساسي على المسرحيات التاريخية التي تصف حرب المئة عام (1337 - 1453)، أي في الفترة التي شهدت صراعات عسكرية بين إنجلترا وفرنسا، وحروب الورود، وهو المصطلح الذي استخدم لوصف النزاع الأهلي بين منازل يورك ولانكستر بين عامي 1455 و1485. ويشير النقاد إلى أنه خلال هذه الصراعات، تغيرت عبادة النزعة العسكرية ومفاهيم الحرب التقليدية، بشكل دراماتيكي نتيجة للتطورات الحديثة والمبكرة في مجال التسلح. ويلاحظ الباحثون والدارسون أيضاً أن مسرحيات شكسبير تعكس الجدل العام الذي كان دائراً حول ما إذا كانت الحروب الأجنبية ستستخدم من أجل توسيع الحدود، وهي قضية كانت محل نزاع شديد خلال الفترة الإلزابيثية والجاكوبية. وهذا ما يتمثل في غزو هنري لفرنسا وشرعية حكمه، حيث يشير سبنسر إلى أنه على الرغم من أن هنري كان ينتهك القوانين الأخلاقية والقانونية، فقد كان المستفيد الأول من السلطة الدينية التي كانت تبرئه من الذنب. كما تناول جان - كريستوف ماير أيضاً مسألة شرعية حكم هنري وحربه ضد فرنسا.
ويعتبر النقاد أن (هنري الخامس) هي أهم مسرحية شكسبيرية في موضوعة الحرب، وذلك في سياق مناقشة المتطلبات القانونية للحرب العادلة، فقد قامت جانيت. م. سبنسر بتقييم وجهة نظر المسرحية حول شرعية الإشارة إلى استخدام الملك للذرائع والخدع. ويؤكد ماير أن شكسبير يصور هذه الحرب كفعل سياسي، وليس كمشروع «مقدس». وعلى النقيض من ذلك يرى جون مارك ماتوكس أن حرب هنري تمثل بوضوح حرباً قانونية، وذلك في سياق التقاليد القانونية الغربية التي تحدد «مفهوم العدل في الحرب»، أي المعايير التي يجب أن تتحقق قبل أن تقوم دولة ما بعمل عسكري ضد دولة أخرى. أما بيلو في (العدالة في الحرب) فيرى أنه يتوجب على الجنود وقادتهم التمسك بمعايير السلوك. ويركز ثيودور ميرون بشكل أكثر تحديداً على شرعية قتل هنري للسجناء الفرنسيين، ويرى أن هذا لم يكن انتهاكاً لقوانين الحرب المعمول بها، وأن شكسبير قد ألقى «أفضل ضوء ممكن» على ذلك. أما فيما يتعلق بقضية ربط هنري الخامس بين الحرب والقومية فقد كانت مصدر جدل آخر بين النقاد الذين تناولوا المسرحية كعمل مسرحي أو من خلال الفيلم الأول الذي أعده عنها لورنس أوليفييه عام 1944 وفيلم كينيث براناغ عام 1989، حيث أشاروا إلى «الغرض الوطني» للفيلم الأول، حيث ترى إليزابيث مارسلاند أن حملة هنري الفرنسية تستند إلى التقليد الوطني الذي يجعل الحرب رومانسية. وبالرغم من أنها ترى أن هناك اختلافات كثيرة بين الفيلمين فإنها تؤكد أن براناغ كان ملتزماً كأوليفييه بتصوير هنري كشخصية بطولية. في حين يرى روبرت لين أن معالجة براناغ لشخصية هنري كانت أكثر انسجاماً مع النص الشكسبيري. وفي مقالة لها تعرض إيلين كالدويل للنقاشات التي كانت قائمة بين الكتّاب والفنانين الإنجليز والفرنسيين الذين تناولوا حرب المئة عام، مشيرة إلى أن تصورات كلا الجانبين كانت مهتمة بفكرة الترويج للروح الوطنية. ويصف كالدويل (هنري الخامس) لشكسبير بأنها تصوير أكثر تعقيداً للحرب وآثارها مما كان عليه الأمر في فيلم هنري الخامس لأوليفييه، الذي يصفه بأنه «وسيلة للدعاية القومية».
وفي تقييمه لتصور الحرب على امتداد ثلاثية هنري السادس، يقترح غريغوري. م. كولون سيمينزا أن يكون هناك تحليل للمثل العليا والتغييرات الجذرية التي حدثت في طبيعة الحرب، أو ما يسمى الصراع التنافسي الشخصي في ثلاثية (هنري السادس)، والذي يتجسد في جميع هذه المسرحيات كاستعارة للحرب. ويشير الناقد إلى أن التلميح بالحرب كنوع من الرياضة التنافسية قد ازداد نتيجة لتجاهل نبلاء هنري للقلق التقليدي تجاه المبادئ السياسية والصالح العام، لصالح سعيهم لتحقيق طموحاتهم الخاصة. أما كريس هاسل فيركز على (ريتشارد الثالث) وهي التي تتبع زمنياً لثلاثية (هنري الخامس)، مشيراً إلى حاجة القادة العسكريين لإقناع قواتهم بأن الرب يقف إلى جانبهم، حيث يقوم بتقييم الفعالية النسبية لخطابات ريتشارد وريتشموند لجنودهما قبل معركة بوسورث فيلد. ويعلق لورنس ليرنر على العديد من استدعاءات الرب، في الملك جون، من أجل الدفاع عن شرعية الحكم والحرب. كما يناقش تصور المسرحية لحكمة استخدام القوة العسكرية أو الدبلوماسية لتسوية الصراع بين فرنسا وإنجلترا، مشيراً إلى أن السلام لا يمكن أن يتحقق في النهاية لا من خلال النزاع المسلح ولا المعاهدات: بدلاً من العمل على أن تبلغ الحرب ذروتها في المعركة الرئيسية «دعوا الحرب تتنفس».
وتذكر سوزان سنايدر مشهد الهجوم التركي المدمر على قبرص في كل من عطيل وهاملت، مشيرة إلى أن شكسبير لم يتعامل درامياً مع الهجوم التركي على قبرص في عطيل، في حين قدم غزو فورتنبراس* للدنمارك في هاملت باعتباره غير دموي نسبياً، وترى أن كلتا المسرحيتين التراجيديتين قد صورتا العدو كعدو داخلي أكثر من كونه خصماً أجنبياً. أما ميشيل ويلمز فقد عاين الهوتسبور (فرسان القرن الرابع عشر) في كل من مسرحيتي (هنري الرابع - الجزء الأول) و(كوريولانوس)، ويرى بأنهم الرجال الذين يتحلون ببراعة عسكرية، ويستخدمون الحرب كوسيلة لتحقيق الذات والشرف. ويلفت ويلمز الانتباه إلى الطريقة التي تصور بها هذه المسرحيات الاختلافات بين المحاربين المحترفين والجنود العاديين، مشيراً إلى بعض أوجه التشابه بينهم كونهم تحدياً للسلام عندما لا يكون هناك عدو خارجي. ويرى الناقد أيضاً أن كلاً من هوتسبور وكوريولانوس الغارقين في عبادة الشرف العسكري، هما من ضحايا السياسات الاستراتيجية للآخر، أكثر من كونهما شخصيتين واقعيتين. ويؤكد روبن هيدلام ويلز أن الشاغل الرئيسي لكوريولانوس هو مسألة القيم العسكرية مقابل القيم الإنسانية، ويرى أن المسرحية تركز على مسألة ما إذا كان الانتصار في المعركة هو العامل الأكثر أهمية في تحديد الشرف الذكوري.
في مسرحية شكسبير الكوميدية (الأمور بخواتيمها)، كما يشير جوناش باريش، نجد أن الحرب على العموم عبارة عن قضية هامشية، وهي وسيلة للشباب للحصول على الشهرة والشرف، وتأكيد الذات، وإظهار القدرة على القيادة. في حين تشير آر. بي. باركر إلى أن أسباب الصراع الإيطالي «لم تكن غامضة فحسب، وإنما مجرد أسباب مشكوك فيها»، مؤكدة على أن المهمة الرئيسية للصراع هي توفير منفذ لبيرترام والحكام الفرنسيين للتعبير عن عدوانيتهم، وتحقيق أقصى قدر من الشهرة. وفي حالة بيرترام الهروب من مسؤولياته.
ويعالج باركر أيضاً، التوتر بين مثل الحب والحرب في مسرحية (الأمور بخواتيمها). ويعلق جو الدريج كارني على معالجة هذا الموضوع في (القديسين النبيلين) مستنتجاً أن موضوعة الحرب لم يتم حلها أبداً، مما يترك الجماهير والقراء يكافحون من أجل استيعاب العرض المسرحي الذي يراوح بين الرغبة الجنسية والالتزامات العسكرية.
إحدى أهم المسرحيات الكوميدية الشكسبيرية التي أثارت جدلاً كبيراً لدى النقاد هي مسرحية (ترويلوس وكريسيدا). حيث ركزت لورين هيلمز على أن هذه المسرحية هي من أكثر المسرحيات التي عرضت لعنف الحرب. ولفتت الانتباه إلى التوافق بين كريسيدا والتقاليد الأدبية التي سعت إلى تأنيث الطرواديين على اعتبار أنهم كانوا مساهمين فاعلين في التضحية بأنفسهم. وترى هيلمز أن استسلام كريسيدا وتواطؤها مع العنف الذكوري لم يجعلها بديلاً لنساء طروادة فحسب، وإنما للمدينة أيضاً. ويقول ستيفن ماركس إن ترويلوس وكريسيدا مثَّلا تغيراً محورياً في رؤية شكسبير للحرب، تلك الرؤية التي طرحها في مسرحياته السابقة. وهو يرى أن شكسبير قد سعى إلى نقض الحرب الكلاسيكية، وألغى كل قيمة ورمز لعصر النهضة العسكرية.
نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 248 (صفحة 67)