تعد النقود الإسلامية مصدراً من مصادر كتابة التاريخ والآثار والحضارة الإسلامية، وعلى حدّ قول عالم النميات «جورج مايلز» في مقدمة كتابه (تاريخ الري النقدي): «لا يوجد حقل في التاريخ خدمته مسكوكاته بالقدر الذي خدمت به المسكوكات الإسلامية التاريخ الإسلامي». كما أنها وثيقة ليس من السهل الطعن فيها، وهي مرآة صادقة تعكس كل جوانب الحياة السياسية والمذهبية والاقتصادية والاجتماعية والفنية وغيرها من جوانب الحياة.
تعريف المسكوكات
أورد الرازي في تعريف المسكوكات أن سكة الدراهم هي المنقوشة، أي الختم على الدنانير والدراهم باستخدام قالب السك، وقال عنها ابن خلدون: «هي الختم على الدنانير والدراهم المتعامل بها بين الناس بطابع حديد تنقش فيه الكلمات والصور معكوسة حتى تظهر على السكة ظاهرة ومستقيمة، ولفظ السكة كان اسماً يطلق على قالب السك».
وكان الإنسان في حياته البدائية مهتماً بحاجاته الأولية من المأكل والمشرب والملبس، وكان يعيش في جماعات متفرقة، وتنوعت الأعمال التي يزاولها، معتمداً على أسلوب المبادلة لاستكمال حاجاته. ومن هنا كانت الحيوانات وسيلة للتبادل في مناطق الرعي، والحبوب وسيلة التبادل في مناطق الزراعة، وهو ما يعرف بنظام المقايضة. لكن هذه الوسائل كانت صعبة التجزئة، فضلاً عن عدم استمراريتها لفترات، مما أضر بمصالح الإنسان البدائي، لذا كان لا بد من استخدام وسيلة للمبادلة تحقق له أهدافه.
وتعد بلاد الرافدين (العراق) هي أولى البلدان في اتخاذ المعدن وسيلة للمبادلة، حيث نصت شريعة الملك السومري «أورنمو» مؤسس سلالة أور الثالثة (2003- 2111 ق.م) على اتخاذ الفضة كوسيلة للمبادلة، كما في هذه المادة: «إذا طلق الرجل زوجته الأصلية دفع لها نصف منٍّ من الفضة».
المسكوكات في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام
تمتعت شبه الجزيرة بموقع جغرافي مميز، حيث كانت تمر بها طرق التجارة العالمية، مما أتاح لها الاتصال التجاري بالعديد من البلدان، منها بلاد الرافدين ومصر ودول البحر المتوسط، وكان نتيجة هذا الاتصال أن عرف العرب المسكوكات منذ زمن بعيد، وبدأوا في إصداراها في أوائل القرن الرابع (ق.م).
وقلّد العرب في البداية الطراز الإغريقي، حيث كان الوجه يحمل رأس معبودة أثينا وهي مرتدية خوذة مزينة بغصن الزيتون تتدلى منها ثلاث ورقات، أما الظهر فنقش عليه رسم لبومة تتجه إلى اليمين وخلفها غصن الزيتون، وهذا النمط المعروف بطراز أثينا بدأ تداوله في سنة 575 ق.م.
الإبل على المسكوكات
وردت رسوم الإبل بنوعيها: العربي (ذي السنام الواحد)، والبكتيري (The Bactrian Camel) ذي السنامين، وذلك منذ العصر الروماني على أقل تقدير.

الجمل ذو السنامين
يعيش الجمل ذو السنامين (البكتيري) في المناطق الباردة مثل روسيا وغيرها. ويتميز بأن له سنامين يساعدانه على تخزين أكبر قدر من الدهون والغذاء لتحمل البرد، ويبلغ طول رأسه وجسمه حوالي 3 أمتار، ويزن حوالي 700 كيلو جرام، وأقدامه عريضة. وله ما يشبه اللحية على حلقه. معطفه طويل يتراوح لونه بين البني الغامق والبني الفاتح. يعيش ضمن جماعات يتراوح عددها بين 6 و20 جملاً، يقودها أكبر ذكر في المجموعة. يمكنه تحمل درجات الحرارة المنخفضة، وأنثاه تلد جملاً واحداً بعد فترة حمل تدوم 13 شهراً، وبعد 3 سنوات يصبح راشداً، ثم يكتمل نموه في السنة الخامسة. ويتعرض هذا الجمل للانقراض حالياً، إذ لا توجد منه سوى أعداد قليلة جداً.
وقد ورد رسم الجمل ذي السنامين على نقود الإمبراطور تراجان وهو (ماركوس أليبيوس نيرفا تراينوس أغسطس) (81 سبتمبر 35م - 9 أغسطس 711م)، وهو ثاني الأباطرة الأنطونيين الرومان، كما أنه صاحب العمود الروماني الشهير الموجود في إيطاليا (اللوحة: 1).

وأما نقود الإمبراطور تراجان فقد جاء على وجه النقد صورة نصفية للإمبراطور تراجان في الوضع الجانبي (profile) ينظر باتجاه اليمين أو اليسار، وبدا فيها بأنف أقنى مدبب، وشعر الرأس طويل تنسدل خصلاته إلى الخلف، وارتدى ما يشبه الشال على كتفه، وبهامش النقد ألقابه منها (تراجان دوقيوس)، وعلى ظهر النقد جمل من نوع الجمل ذي السنامين (الجمل البكتيري)، وبدا الجمل واقفاً على أرضية رسمت على هيئة خط مستقيم، كما يظهر الشعر أسفل الرقبة (اللوحتان: 2 و3).
وسبب ورود الجمل البكتيري على ظهر الدراهم الخاصة بالإمبراطور تراجان يكشف عن مدى العلاقات التي كانت بين الإمبراطورية الرومانية والصين وغيرها من البلدان الواقعة على طريق الحرير، ومدى التبادل التجاري بين هذه البلدان مع الإمبراطورية الرومانية.
كما يظهر الجمل ذو السنامين أيضاً على نقد يعود لعهد أحد ملوك الهند القدامى يدعى (آزيس الأول Azes I) مؤرخ بسنة 47 قبل الميلاد، يظهر على وجه النقد المربع الشكل، الملك يمتطي جملاً بكتيرياً رُسم في الوضعالجانبي ناظراً جهة اليمين، وقد رفع يده اليمنى ممسكاً ربما بخطام الجمل أو ما يشبه عصا الصولجان، وتحيط بهامش النقد كتابة لاتينية، وعلى ظهر النقد حيوان يُشبه الثور رسم بحجم صغير، وبهامش الظهر كتابة لاتينية (لوحة: 4).
الجمل العربي (ذو السنام الواحد)
كلمة الجمل العربي تعني بالإنجليزية Dromedary، وهي مشتقة من الكلمة اليونانية Dromos ومعناها «الطريق» أو «المسار»، لكن من الناحية العملية تُستعمل Dromedary على نطاقٍ واسعٍ للإشارة إلى أي نوع من الجمال ذات السنام الواحد.
ويقطن الجمل العربي المناطق الصحراوية لشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وتم إدخاله كحيوان مستأنس في الهند وأستراليا، ولا يوجد الجمل العربي في الواقع بصورة وحشية على الرغم من وجود ما يعرف بالجمال البرية التي هجرت الاستئناس لتهيم على وجوهها.
وقد ورد نقش الجمل العربي على العديد من العملات، منها العملة التي تم سكها في السودان في يونيو 1956م، عندما صدرت أول عملة وطنية بعد الاستقلال لتحل محل العملات المصرية والبريطانية، حيث وقّع السيدان مأمون بحيري رئيس لجنة العملة وإبراهيم عثمان عضو اللجنة اسميهما على واجهة خمس فئات من العملات الورقية السودانية، وكانت هذه الفئات هي أولى عملات يتداولها السودانيون بعد الاستقلال، وأكبرها فئة الجنيهات العشرة التي غلب عليها اللون الداكن، ورسمت في مقدمتها صورة جامعة الخرطوم، وفي ظهرها ساعي البريد على ظهر الناقة. وفي الفترة من سنة 1960 - 1967م كان المحافظ الفيل هو الذي ورد توقيعه على العملات السودانية.
وقد ورد نقش الجمل العربي على ظهر نقد سوداني فئة خمسة مليمات (لوحة: 5)، حيث جاء على الوجه في المنتصف رقم: (5)، وبهامش النقد من أعلى: (جمهورية السودان)، ومن أسفل لفظ: (مليمات)، ويفصل بينهما فرعان نباتيان ينتهيان بشكل ورقة متعددة البتلات. أما ظهر النقد ففي الوسط جاء نقش ساعي البريد ممتطياً جملاً عربياً، وقد أمسك باليد اليسرى بلجام الجمل، وباليمنى ممسكاً ببندقية وعلى ظهره جعبة السهام، وبدا الجمل وهو يعدو على أرضية صحراوية، وفي المنتصف جاء رسم الصحارى القفار للتعبير عن الطبيعة الخاصة بالبلاد، وبالهامش أسفل النقش جاء تاريخ 1356 - 1976.
كما ورد نقش الجمل العربي على ظهر عملة ورقية سودانية فئة خمس جنيهات (لوحة 6)، حيث جاء على وجه الورقة رسم قارب له شراع في النيل وفي الخلفية رسم نخيل وأشجار، وعلى العملة توقيع السيد الفيل بتاريخ 1967م، أما ظهر العملة فجاء عليها رسم ساعي البريد على غرار ما جاء على العملة المعدنية.
نُشرت المادة لأول مرة في مجلة الرافد الورقية - العدد 247 (صفحة 26)